التأدّب ، لم ينتصب عند النحاة لعدم المشاركة في الفاعل وفي الزمان ، إذ ربّما لا يحصل هذا الأثر ، فكيف يشارك الضرب في الزمان ، كما قال ابن دريد :
١٧٠ ـ والشيخ إن قوّمته من زيغه |
|
لم يقم التثقيف منه ما التوى (١) |
وإنما نصبت هذا المصدر لتضمنه العلة الحقيقية ومشاركته للحدث في الفاعل والزمان ، إذ هو كما بيّنا.
وبعض النحاة لا يشترط تشاركهما في الفاعل ، وهو الذي يقوي في ظني وإن كان الأغلب هو الأول ، والدليل على جواز عدم التشارك قول أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه في نهج البلاغة : «فأعطاه الله النظرة (٢) استحقاقا للسخطة ، واستتماما للبليّة» ؛ والمستحق للسخطة إبليس والمعطى للنظرة هو الله تعالى ؛ ولا يجوز أن يكون استحقاقا حالا من المفعول ، لأن «استتماما» إذن ، يكون حالا من الفاعل ، وكذا «إنجازا للعدة» (٣) ، ولا يعطف حال الفاعل على حال المفعول.
وكذا قول العجاج :
يركب كل عاقر جمهور |
|
مخافة وزعل المحبور (٤) |
والهول من تهور الهبور ـ ١٦٩ |
__________________
(١) ليس المقصود به الاستشهاد ، وإنما هو لتأييد المعنى الذي أشار إليه بقوله : إذ ربما لا يحصل هذا الأثر ، وهذا البيت من مقصورة الإمام اللغوي أبي بكر بن دريد صاحب الجمهرة واسمه محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، انهى السيوطي في البغية نسبه إلى يعرب بن قحطان من علماء القرن الثالث. وهو أحد الأئمة المتقدمين في اللغة. وبيت الشاهد من قصيدة مقصورة له مدح بها الأمير أبا العباس اسماعيل الميكالي حاكم نيسابور وضمنها كثيرا من الحكم ، توفي سنة ٣٢١ ه.
(٢) أي الانتظار والبقاء إلى يوم القيامة تحقيقا لطلبه في قوله الذي حكاه الله عنه : رب انظرني.
(٣) هو من تمام الكلام الذي نقله عن نهج البلاغة. وهذا الكلام من خطبة طويلة في نهج البلاغة فيها حديث عن خلق السموات والأرض وخلق آدم ، وما حدث من ابليس ، وهي في الجزء الأول ص ٢١ طبعة الحلبي سنة ١٩٦٣ اخراج محمد أبو الفضل.
(٤) تقدم الشطران الثاني والثالث قبل قليل. وكما تقدم هو من أرجوزة العجاج التي أولها : جاري لا تستنكري عذيري ...