فجعل فيهما ما يصلح لأن يكون إعرابا ، وأسبق الاعراب الرفع لأنه علامة العمد ، كما ذكرنا ، فجعلوا ألف المثنى وواو المجموع علامتي الرفع فيهما ، ولم يبق من حروف اللين ، التي هي أولى بالقيام مقام الحركات ، إلا الياء للجر والنصب في المثنى والمجموع ، والجر أولى بها ، فقلبت ألف المثنى وواو الجمع في الجر ياء ، فلم يبق للنصب حرف ، فأتبع الجرّ ، دون الرفع ، لكونهما علامتي الفضلات ، بخلاف الرفع ، وترك فتح ما قبل الياء في المثنى ، ابقاء على الحركة الثابتة قبل اعراب المثنى ، مع عدم استثقالها ، وأما الضم قبل ياء الجمع فقلب كسرا لاستثقاله قبل الياء الساكنة لو أبقى ، والتباس الرفع بغيره ، وبطلان السعي (١) لو قلبت الياء لضمة ما قبلها واوا ، مع أن تغيير الحركة أولى من تغيير الحرف ، فارتفع التباس المجموع بالمثنى بسبب كسر ما قبل ياء المجموع ان حذف نوناهما بالإضافة ؛
وكسر النون في المثنى لكونه تنوينا ساكنا في الأصل ، والأصل في تحريك الساكن ، إذا اضطر إليه أن يكسر ، لما يجيء في التصريف ، وفتح في الجمع للفرق ، فحصل الاعتدال في المثنى بخفة الألف وثقل الكسرة ، وفي الجمع بثقل الواو ، وخفة الفتحة ، وأما الياء فيهما ، فطارئة للاعراب كما ذكرنا ؛
وقال سيبويه : (٢) حروف المد في المثنى والمجموع حروف اعراب ، فقال بعض أصحابه : الحركات مقدرة عليها قياسا على مذهبه في الأسماء الستة ، فالمثنى والمجموع ، إذن معربان بالحركات المقدرة كالمقصور ؛
وفهم الاعراب من هذه الحروف يضعف هذا القول ؛
وقال أبو علي (٣) : لا اعراب مقدر عند سيبويه على الحروف ، لأن النون عنده عوض من الحركة والتنوين ، قال : وانما أبدل من الحركة مع كون انقلاب الحرف دالّا على المعنى ، لأن الانقلاب معنى لا لفظ ، فقصد الاعراب اللفظي ؛
__________________
(١) وهو قصد جعل الياء علامة الجر والنصب.
(٢) كتاب سيبويه ج ١ ص ٤.
(٣) أي الفارسي. وقد تقدم.