وإذا نظرنا إلى ما ذكره الرواة ، من أن ابن مالك قد أخذ بالأندلس عن ثابت بن خيار (ت : ٦٢٨ ه) ، وأنه قد سمع بدمشق من أبى صادق الحسن بن صباح (ت : ٦٣٢ ه) (١) على ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى ، وما ذكره المستشرق كارل بروكلمان من أنه قدم دمشق فى شبابه المبكر ، وإلى ما أشار إليه القفطى فى «إنباه الرواة على أنباه النحاة» (٢) فى ترجمة الجزولى حين عرض لمقدمته فى النحو المعروفة بالجزولية حيث قال : وشرحها شاب نحوى من أهل جيان من الأندلس ، متصدر بحلب لإفادة هذا الشأن ، فجمع بين أقوال هؤلاء المقدم ذكرهم ، وأحسن فى الإيجاز. والظاهر أن هذا الشاب الجيانى هو ابن مالك.
إذا استقام هذا كله أمكننا القول بأن ابن مالك رحل شابّا بين الخامسة والعشرين من عمره إلى الثلاثين ، أى : بين (٦٢٥ ه ، ٦٣٠ هـ) ؛ وذلك بسبب هذه الفتن والاضطرابات فى بلاد الأندلس أولا ، ثم للحج وإتمام الدراسة فى بلاد المشرق ثانيا ، وعلى عادة العلماء آنذاك ، فيكون إتمام ابن مالك لدراساته فى المشرق ورحيله كان فى عصر الأيوبيين من (٥٦٧ ه إلى ٦٤٨ ه) ، بل أدرك من عصر المماليك حتى جانب كبير من حكم الظاهر بيبرس البندقدارى من (٦٥٨ ه إلى ٦٧٩ ه).
وقد ذكر السيوطى فى كتابه : «حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة» (٣) نقلا عن شيخه تقى الدين الشمنى رسالة كتبها ابن مالك إلى الظاهر بيبرس.
ثانيا : الفتن والاضطرابات فى مضر والشّام ، وخاصّة فى مصر عند مقدم ابن مالك :
ودع ابن مالك الأندلس والفتن دائرة فى أكثر البلاد ، ولكن يمكننا القول بأن ابن مالك قد فر من فتن الأندلس واضطرابات النصارى والموحدين والطوائف هناك إلى فتن الصليبيين والتتار ومنازعات خلفاء صلاح الدين الأيوبى فى الشرق ؛ إذ يذكر المؤرخون أن الدولة الأيوبية قد انقسمت بعد موت مؤسّسها صلاح الدين بين أبنائه الثلاثة وأخيه العادل ، وبعض أقربائه ، ويظهر أن الاضطرابات كانت العامل الأكبر فى عدم استقرار ابن مالك فى مصر ، ومسيرته إلى الشام بعد أن حجّ ؛ حيث طوف ببلاد
__________________
(١) نفح الطيب ٢ / ٢٢٢ ، والوافى بالوفيات ٣ / ٣٥٩.
(٢) إنباه الرواة ٢ / ٣٨٩ فى ترجمة الجزولى.
(٣) حسن المحاضرة ٢ / ٩٦ ، ٩٧.