ولهذا امتنع تقديم خبر «دام» عليها أبدا ؛ لأنها لا تخلو من وقوعها صلة لـ (ما).
واختلف فى تقديم خبر «ليس» : فأجازه قوم ، ومنعه قوم.
والمنع أحب إلى ؛ لشبه «ليس» بـ «ما» فى النفى ، وعدم التصرف.
ولأن «عسى» لا يتقدم خبرها عليها إجماعا ؛ لعدم تصرفها مع الاتفاق على فعليتها ؛ فـ «ليس» أولى بذلك لمساواتها لها فى عدم التصرف مع الاختلاف فى فعليتها.
وإذا نفى الفعل فى هذا الباب ، وغيره بـ «ما» لم يتقدم معموله عليها إجماعا ؛ لأن «ما» النافية لها صدر الكلام ؛ ولذلك لم تعامل معاملة «لا» فتتوسط بين جار ومجرور ، أو جازم ومجزوم ، كما تتوسط «لا».
فلا يقال : «جئت بما شيء» و «إنما تفعل فعلت».
كما يقال : «جئت بلا شيء» و «إن لا تفعل فعلت».
فعلى هذا لا يجوز أن يقال فى : «ما كان زيد فاضلا» و «ما زال عمرو جاهلا» : «فاضلا ما كان زيد» و «جاهلا ما زال عمرو».
وكلاهما جائز عند الكوفيين ؛ لأن «ما» عندهم لا يلزم تصديرها.
ووافق ابن كيسان (١) البصريين فى «ما كان» ونحوه.
وخالفهم فى «ما زال» وأخواتها ؛ لأن نفيها إيجاب ، والخبر بعدها كخبر «كان» المثبتة.
فلم يمتنع عنده : «جاهلا ما زال عمرو» (٢) كما لا يمتنع : «جاهلا كان عمرو».
فلو كان النفى بـ «لا» أو «لن» أو «لم» جاز التقديم عند الجميع نحو :
«عالما لم يزل زيد».
قال الشاعر : [من الطويل]
ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته |
|
على السّنّ خيرا لا يزال يزيد (٣) |
__________________
(١) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان ، أبو الحسن النحوى ، كان يحفظ المذهبين البصرى والكوفى فى النحو ، وأخذ عن المبرد وثعلب ، له تصانيف كثيرة منها : المهذب فى النحو ، اللامات ، البرهان ، علل النحو ، معانى القرآن ، غريب الحديث ... ، وغيرها. مات سنة (٢٩٩ ه). ينظر : بغية الوعاة (١ / ١٨ ـ ١٩) ، معجم الأدباء (١٧ / ١٣٨).
(٢) فى أ: ما زال زيد.
(٣) البيت للمعلوط القريعى فى شرح التصريح ١ / ١٨٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٥ ، ٧١٦ ، ولسان العرب (أنن) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٢ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ٥٢ ، ٩٦ ، ـ