أقيس من لغة أهل الحجاز ، كذا قال سيبويه ، وهو كما قال ؛ لأن العامل حقه أن يمتاز من غير العامل ؛ بأن يكون مختصّا بالأسماء ، إن كان من عواملها ؛ كحروف الجر ، ومختصّا بالأفعال ، إن كان من عواملها كحروف الجزم ، وحق ما لا يختص كـ «ما» النافية ، ألا يكون عاملا ، إلا أن شبهها بـ «ليس» سوّغ إعمالها ، إذا لم يعرض مانع (١) ، فابن مالك يحتج بما ثبت من كلام العرب ، وعند تعارض روايتين صحّ النقل بهما ، فإنه يرى أن الإنصاف يقضى بقبول الروايتين ، وألّا تدفع إحداهما بالأخرى ، فإذا خالفت إحدى الروايتين ما تواضع عليه النّحاة قبل على أنه أسلوب من أساليب العربيّة ، ووجّه التوجيه الذى لا يخلّ بالقاعدة ، ولا يخرج عن القياس.
أما إذا كان الخارج على القاعدة لا مجال لتأويله ، وإدخاله ضمن القواعد المقررة المعمول بها ، فإن كان كثيرا ، وقف به عند حد المسموع منه ، ولم يجز طرده ، والقياس عليه ، وإن كان قليلا ، فإن اختصّ بالشعر ، فهو ضرورة ، وإن لم يختصّ بالشعر ، فهو شاذّ أو ضعيف ، أو قليل أو نادر ، وهو إذا ذكر الشّاذّ ، فلا يقيس عليه ؛ كما يصنع الكوفيون ، ولا يعمد إلى تأويله ؛ كما يصنع البصريون كثيرا.
٢ ـ موقفه من القياس :
الأصل عند ابن مالك أن القواعد تبنى على السّماع الصحيح ، ولكنه يلجأ إلى القياس ، إذا لم يجد الشاهد المقبول ، واتجاهه فى القياس هو نفس اتجاهه فى كل أصول النّحو ومسائله فى منهجه التأليفىّ ، وفى مزجه واختياره وأصول احتجاجه ، تقوم على التوسّع والتّيسير.
فمن أقيسته التى راعى فيها السهولة والتوسّع وقياس النظير على النظير :
أ ـ إذا لحقت «ما» الزائدة «إنّ» أو أخواتها ؛ فإن لم يكن الحرف «ليت» فمذهب سيبويه والجمهور : المنع من الإعمال ، أما ابن مالك فقد قال فى «شرح التسهيل» (٢) :
وذكر ابن برهان : أن أبا الحسن الأخفش روى عن العرب : «إنّما زيدا قائم» ، وأعمل (إنّ) مع زيادة «ما» ، وعزا مثل ذلك إلى الكسائى عن العرب ، وهذا النقل
__________________
(١) شرح الكافية الشافية لابن مالك ١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥.
(٢) شرح التسهيل ٢ / ٣٨.