ثم نبهت على أن العرب تبنى من كل فعل ثلاثى فعلا على «فعل» وتجريه مجرى «نعم» كقولهم : «علم الرّجل زيد» ؛ فـ «الرجل» و «زيد» بعد «علم» وشبهه كما هما بعد «نعم» إذا قلت : «نعم الرّجل زيد».
ثم نبهت على أن حبذا بمنزلة «نعم» وفاعلها ، و «لا حبّذا» بمنزلة «بئس» وفاعلها.
وقد دعاهم إجراء «حبّذا» مجرى «نعم» وفاعلها أن ذكروا بعدها مخصوصا بالمدح كما يذكرون بعد «نعم» وفاعلها وقد يستغنون عن مخصوص «حبّذا» بمثل ما يستغنون عن مخصوص «نعم» ،
وأحسن ما يكون ذلك بعد تمييز وذلك كقول بعض الأنصار ـ رضى الله عنهم ـ : [من الرجز]
باسم الإله وبه بدينا |
|
ولو عبدنا غيره شقينا |
فحبّذا ربّا وحبّ دينا (١)
وقد يستغنى عن المخصوص من دون تمييز كقول الشاعر : [من الطويل]
ألا حبّذا لو لا الحياء وربّما |
|
منحت الهوى ما ليس بالمتقارب (٢) |
ومثال استغنائهم عن «بئس» بـ «لا حبّذا» قول الشاعر : [من الطويل]
ألا حبّذا أهل الملا غير أنّه |
|
إذا ذكرت مىّ فلا حبّذا هيا (٣) |
والحاصل أن «حبّ» فعل فاعله : «ذا» ، ولا يؤنث ، ولا يثنى ، ولا يجمع لأنه بمنزلة المثل ، والأمثال لا تغير.
ولا يصح قول من قال : «حبّذا» فى موضع رفع بالابتداء ، والخبر ما بعده».
__________________
(١) الرجز لابن رواحة فى ديوانه ص ١٠٧ ، ولسان العرب (بدا) ، والدرر ٥ / ٢٢١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٨ ، ولبعض الأنصار فى شرح عمدة الحافظ ص ٨٠٢ ، وتاج العروس (بدأ) ، (بدى) ، وجمهرة اللغة ص ١٠١٩ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٣٨٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٨ ، ٨٩ ، وجمهرة اللغة ص ١٢٦٧ ، والمخصص ١٠ / ٤٢.
(٢) البيت لمرار (أو لمرداس) بن هماس فى الدرر ٥ / ٢٢٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٩٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٣٨٢ ، ومغنى اللبيب ص ٥٥٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٩.
(٣) البيت لذى الرمة فى ملحق ديوانه ص ١٩٢٠ ، والدرر ٥ / ٢٢٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٥٤٢ ، وله أو لكنزة أم شملة فى المقاصد النحوية ٤ / ١٢ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٣٨١ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٩.