وقال الكوفيّون : عملت في الأوّل فقط ، وأمّا نصب الثّاني فعلى إسقاط الخافض. قاله الشّاطبيّ (١).
ولمّا كان عملها على خلاف الأصل شرطوا في عملها أربعة شروط :
الأوّل : أن لا يزاد بعدها «إن» ، وهو المنبّه عليه / بقوله : «(دون) (٢) إن» ، نحو «ما إن زيد قائم» ، لأنّ «إن» لا تزاد بعد «ليس» ، فبعدت عن الشّبه.
الثّاني : بقاء النّفي ، فلو بطل النّفي لم تعمل نحو «ما زيد إلّا قائم» (٣) ، وهو المنبّه عليه بقوله : («مع) (٤) بقا النّفي».
الثّالث : أن لا يتقدّم خبرها على اسمها ـ خلافا للفرّاء (٥) ـ وإن كان ظرفا
__________________
(١) قال الشاطبي في شرح الألفية (٢ / ٥١ ـ بـ / مخطوط) : «ما» ترفع المبتدأ اسما لها ، وتنصب الخبر خبرا لها ، وهذا مذهب أهل البصرة. وذهب الكوفيون إلى أنها تعمل في المبتدأ بخاصة الرفع ، وأما نصب الخبر فعلى إسقاط الخافض ، والأصح ما ذهب إليه الناظم والبصريون». انتهى.
وانظر الخلاف في الإنصاف (مسألة : ١٩) : ١ / ١٦٥ ، الهمع : ٢ / ١١٠ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٠٦ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٤٧ ، قال في التصريح (٢ / ١٩٦) : «وفيه نظر فإنّ المنقول عنهم أنّ المرفوع بعدها مبتدأ ، والمنصوب خبره ، ونصب بإسقاط الخافض».
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٤.
(٣) وجوز يونس والشلوبين النصب مع «إلا» مطلقا ، لوروده في قوله :
وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله |
|
وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا |
وأجيب بأنّه نصب على المصدر ، أي : ويعذب معذبا ، أي : تعذيبا ، ويدور دوران منجنون ، أي : دولاب. وقال قوم : يجوز النصب إن كان الخبر هو الاسم في المعنى ، نحو «ما زيد إلا أخاك» أو منزلا منزلة نحو «ما زيد إلّا زهير». وقال آخرون : يجوز إن كان صفة ، نحو «ما زيد إلا قائما». وهذا إن انتقض النفي بـ «إلا» ، أما إذا انتقض بغير «إلّا» لم يؤثر ، فيجب النصب عند البصريين ، نحو «ما زيد غير قائم» ، وأجاز الفراء الرفع.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٧ ، الهمع : ٢ / ١١٠ ـ ١١١ ، شرح المرادي : ١ / ٣١٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٩ ، التسهيل : ٥٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٠٤.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٥.
(٥) فإنّه أجاز نصب الخبر مطلقا ، نحو «ما قائما زيد» ، ونقل ابن مالك عن سيبويه جواز عملها متوسطا خبرها. ورد بأن المنصوص عند سيبويه المنع ، وأما المجوز إنما هو الجرمي والفراء ، وحكى الجرمي أنّ ذلك لغية ، سمع «ما مسيئا من أعتب» ، وقال الفرزدق :
إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
وفي الجنى الداني : «واختلف النقل عن الفراء ، فنقل عنه أنه أجاز «ما قائما زيد» ـ بالنصب ـ ، ونقل ابن عصفور عنه أنّه لا يجيز النصب».