ثم نقول : إنّما جاز تقديم خبرها على اسمها ؛ لأنّها أضعف من «كان» لأنّها تتصرّف ، ويجوز تقديم خبرها عليها ، وأقوى من «ما» لأنّها حرف ، ولا يجوز تقديم خبرها على اسمها ، فجعل لها منزلة بين المنزلتين ، فلم يجز تقديم خبرها عليها نفسها ، لتنحطّ عن درجة «كان» وجوّزوا (١) تقديم خبرها على اسمها ؛ لترتفع عن درجة «ما».
[امتناع استعمال ما زال مع إلّا]
فإن قيل : لم جاز : «ما كان زيد إلّا قائما» ولم يجز : «ما زال زيد إلّا قائما»؟ قيل : لأنّ «إلّا» إذا دخلت في الكلام ، أبطلت معنى النّفي ، فإذا قلت : («ما كان زيد إلّا قائما» كان التّقدير فيه : «كان زيد قائما» وإذا قلت :) (٢) «ما زال زيد إلّا قائما» ؛ صار التقدير : «زال زيد قائما» و «زال» لا تستعمل إلّا بحرف النّفي ، فلمّا كان إدخال حرف الاستثناء يوجب إبطال معنى النّفي ، و «كان» يجوز استعمالها من غير حرف النّفي ، و «زال» لا يجوز استعمالها إلّا بإدخال حرف (٣) النّفي ، جاز : «ما كان زيد إلّا قائما» ولم يجز «ما زال زيد إلّا قائما» ؛ وأمّا قول الشّاعر : (٤) [الطّويل]
حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة |
|
على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا (٥) |
فالخبر قوله : على الخسف ، وتقديره : ما تنفكّ على الخسف إلّا أن تناخ أو نرمي (٦) بها بلدا قفرا ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) في (ط) ويجوز.
(٢) سقطت من (س).
(٣) في (س) بحرف.
(٤) الشّاعر : ذو الرّمّة ، غيلان بن عقبة بن بهيش ، من فحول الشّعراء العشّاق ؛ وشعره يعجب أهل البادية ، ويدلّ على فطنة وذكاء ليسا في غيره ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات بحزوى من رمال الدّهناء سنة ١١٧ ه. الشّعر والشّعر ١ / ٥٢٤.
(٥) المفردات الغريبة : حراجيج : جمع حرجوج أو حرجيج ، وهي النّاقة الجسيمة الطّويلة.
الخسف : الجوع ، وهو أن تبيت النّاقة على غير علف.
موطن الشّاهد : (ما تنفكّ إلّا مناخة).
وجه الاستشهاد : مجيء خبر «تنفكّ» مقرونا ب «إلّا» على وجه الشّذوذ. وقيل : «تنفكّ» تامّة لا خبر لها ؛ أي : لا تنفصل من السّير إلّا في حال إناختها ؛ أو يكون خبرها : «على الخسف» و «مناخة» : منصوبة على الحال في الوجهين.
(٦) في (س) ترمي.