لهم فيه ، وأمّا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) فلا حجّة لهم فيه من وجهين :
أحدهما : أنّا نقول : في الآية تقديم وتأخير ؛ والتّقدير فيه (١) : إنّ الذين آمنوا والذين هادوا ومن آمن بالله واليوم الآخر ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والصّابئون والنّصارى كذلك.
والوجه الثّاني : أن تجعل (٢) قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) خبر الصّابئين والنّصارى ، وتضمر للذين آمنوا والذين هادوا / خبرا / (٣) مثل الذي أظهرت للصّابئين والنّصارى ، ألا ترى أنّك تقول : «زيد وعمرو قائم» فتجعل : قائما خبرا لعمرو ، وتضمر لزيد خبرا آخر مثل الذي أظهرت لعمرو ، وإن شئت جعلته خبرا لزيد ، وأضمرت لعمرو خبرا ؛ كما قال الشّاعر (٤) : [الوافر]
وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق (٥) |
وإن شئت جعلت قوله «بغاة» خبرا للثّاني ، وأضمرت للأوّل خبرا ، وإن شئت جعلته خبرا للأوّل ، وأضمرت للثّاني خبرا على ما بيّنّا.
وأمّا قول بعض العرب «إنّك وزيد ذاهبان» فقد ذكره (٦) سيبويه أنّه غلط من بعض العرب ، وجعله بمنزلة قول الشّاعر (٧) : [الطّويل]
بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا |
__________________
(١) في (س) فيها.
(٢) في (ط) يجعل.
(٣) سقطت من (ط).
(٤) الشّاعر هو : بشر بن أبي خازم الأسديّ ، شاعر فحل شجاع من أهل نجد. مات سنة ٩٢ ه.
(٥) المفردات الغريبة : بغاة : جمع باغ وهو من تجاوز الحدّ في العدوان. الشّقاق : النّزاع والخصومة.
موطن الشّاهد : (أنّا وأنتم بغاة).
وجه الاستشهاد : جواز كون «بغاة» خبرا ل «أنتم» على إضمار خبر أنّا ؛ والتّقدير : أنّا بغاة وأنتم بغاة. وجواز كونه خبرا ل «أنّا» على إضمار خبر أنتم ؛ وكلاهما جائز. وأجاز الأعلم الشّنتمري أن يكون خبر «أنّ» محذوفا ، دلّ عليه خبر المبتدأ الذي بعدها. وأجاز الفرّاء وشيخه الكسائيّ أن يعطف بالرّفع على اسم «إنّ» قبل أن يذكر الخبر.
(٦) في (ط) ذكره.
(٧) الشّاعر هو : زهير بن أبي سلمى المزنيّ ، شاعر جاهليّ حكيم ، من المعمّرين ، ومن أصحاب المعلّقات ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١٣ ق. ه. الشّعر والشّعراء ١ / ١٣٧.
موطن الشّاهد : (ولا سابق)