الأدب. وصفه الشّيخ موفّق الدّين البغداديّ (ـ ٦٢٩ ه) قائلا : «لم أر في العبّاد والمنقطعين أقوى منه في طريقه ، ولا أصدق منه في أسلوبه ، جدّ محض لا يعتريه تصنّع ، ولا يعرف السّرور ، ولا أحوال العالم ...» (١).
تديّنه وورعه
كان أبو البركات الأنباريّ متديّنا ورعا ، تفقّه في المدرسة النّظاميّة على مذهب الشّافعيّ ـ كما أسلفنا ـ ثم حدّث فيها. وكان إماما ثقة صدوقا ، وفقيها مناظرا غزير العلم ، وعفيفا لا يقبل عطايا الخلفاء والأمراء ، وكان يرضى بالكفاف من العيش ، ويلبس الخشن من الثّياب. وكان يعيش حياة الزّاهدين معتمدا على أجرة دار وحانوت ؛ مقدار أجرتهما نصف دينار في الشّهر.
وذكر بعض من ترجم لأبي البركات أنّ المستضيء (٢) أرسل إليه خمسمائة دينار ، فردّها ؛ فقالوا له : اجعلها لولدك ؛ فقال : «إن كنت خلقته فأنا أرزقه».
وكان رحمه الله ـ تعالى ـ يلبس في بيته ثوبا خلقا ، وكان له ثوب وعمامة من قطن يلبسهما يوم الجمعة.
وقيل : إنّه انقطع في آخر عمره في بيته مشتغلا بالعلم والعبادة ، وترك الدّنيا ، ومجالسة أهلها ، ولم يكن يخرج إلّا لصلاة الجمعة (٣).
آثاره
صنّف أبو البركات الأنباريّ كثيرا من الكتب والكتيّبات والرّسائل في المجالات اللّغويّة ، والنّحويّة ، والفقهيّة ، والأصوليّة ، والكلاميّة ، والتّاريخيّة ، وغيرها. وذكر بعضهم له ديوان شعر ، والأرجح أن يكون نظم الأبيات أو المقطوعات على غرار العلماء والأدباء الذين ينظمون بعض القصائد أو المقطوعات في مناسبات مختلفة.
__________________
(١) أسرار العربيّة ، لابن الأنباريّ ؛ تحق محمّد بهجة البيطار (دمشق : مطبوعات المجمع العلمي العربي ، ١٩٥٧ م) ، ص ١٢.
(٢) المستضيء : أبو محمّد ، الحسن بن يوسف المستنجد ، ابن المقتفي كان خليفة محمود السّيرة ، توفّي سنة ٥٧٥ ه.
(٣) راجع المصادر المذكورة في ترجمته ، والأعلام للزّركلي (الطّبعة الثّانية) ؛ مج ٤ ، ص ١٠٤.