فالكاف ـ ههنا ـ اسم لأنّها فاعلة ، وهي في موضع رفع بإسناد الفعل إليها ؛ فإذا كانت حرفا ؛ كان ما بعدها مجرورا بها ؛ نحو : «جاءني الذي كزيد» وما أشبه ذلك. وأمّا «حاشا ، وخلا» فقد ذكرناهما في باب الاستثناء فيما قبل.
وأمّا «مذ ، ومنذ» فلهما باب نذكرهما فيه فيما بعد ، إن شاء الله تعالى.
[معاني حروف الجرّ]
ثم إنّ معاني هذه الحروف كلّها مختلفة ، فأمّا «من» فتكون على أربعة أوجه :
[معاني «من»]
الوجه الأوّل : أن تكون لابتداء الغاية ؛ كقولك : «سرت من الكوفة إلى البصرة».
والوجه الثّاني : أن تكون للتّبعيض ؛ كقولك «أخذت من المال درهما».
والوجه الثّالث : أن تكون لتبيين الجنس ؛ كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(١). ف «من» هذه دخلت لتبيين المقصود بالاجتناب ، ولا يجوز أن تكون للتّبعيض ؛ لأنّه ليس المأمور به اجتناب بعض الأوثان دون بعض ، وإنّما المقصود اجتناب جنس الأوثان.
والوجه الرّابع : أن تكون زائدة في النّفي ؛ كقوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ)(٢) ؛ والتّقدير : «ما لكم إله غيره» و «من» زائدة ؛ كقول الشّاعر (٣) : [البسيط]
[عيّت جوابا] وما بالرّبع من أحد (٤)
__________________
وجه الاستشهاد : وقوع «الكاف» اسما بمعنى مثل في محلّ رفع فاعل ؛ لأنّ المعنى : لا يمنع الجائرين عن الجور مثل طعن نافذ إلى الجوف يغيب فيه الزّيت مع فتيلة الجراحة.
(١) س : ٢٢ (الحج ، ن : ٣٠ ، مد).
(٢) س : ٧ (الأعراف ، ن : ٥٩ ، ٦٥ ، ٧٣ ، ٨٥ ، مك) وس : ١١ (هود ، ن ٥٠ ، ٦١ ، ٨٤ ، مك). وس : ٢٣ (المؤمنون ، ن : ٢٣ ، ٣٢ ، مك).
(٣) النّابغة الذّبياني ، وقد سبقت ترجمته.
(٤) هذا شطر بيت للنّابغة من قصيدته المشهورة التي يعتذر فيها إلى النّعمان بن المنذر ، وتتمّة البيت :
وقفت فيها أصيلانا أسائلها |
|
عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد |
وللبيت روايات أخرى لا داعي لذكرها