إذا قلت : «ما رأيته مذ يومان ومنذ ليلتان» كان المعنى فيه : «ما رأيته من أوّل اليومين إلى آخرهما ، ومن أوّل اللّيلتين إلى آخرهما» ، ولمّا (١) تضمّنا معنى الحرف (٢) ، وجب أن يبنيا ، وبنيت «مذ» على السّكون ؛ لأنّ الأصل في البناء أن يكون على السّكون ، فبنيت على الأصل ، وبنيت «منذ» على الضّمّ ؛ لأنّه لمّا وجب أن تحرّك الذّال ؛ لالتقاء السّاكنين بنيت على الضّمّ ... إتباعا لضمّة الميم ، كما قالوا في «منتن : منتن» فضمّوا التّاء إتباعا لضمّة الميم ؛ ومنهم من يقول : «منتن» فيكسر الميم إتباعا لحركة التّاء (٣) ، ونظير هذين الوجهين ، قراءة من قرأ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٤) فضمّ اللّام إتباعا لضمّة الدّال ، وقراءة من قرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٥) فكسر الدّال إتباعا لكسرة اللّام ؛ فلهذا ، كانت «مذ ، ومنذ» مبنيّتين ، وهما تختصّان بابتداء الغاية في الزّمان ، كما أنّ «من» تختصّ بابتداء الغاية في المكان ، وذهب الكوفيّون إلى أنّ «من» تستعمل في (الزّمان ، كما تستعمل في) (٦) المكان ، واستدلّوا على جواز ذلك ، بقوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ)(٧) ، فأدخل «من» على «أوّل يوم» وهو ظرف زمان ، ويستدلون (٨) ـ أيضا ـ بقول زهير بن أبي سلمى (٩) : [الكامل]
لمن الدّيار بقنّة الحجر |
|
أقوين من حجج ومن دهر (١٠) |
وما استدلّوا به لا حجّة لهم فيه ، أمّا قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى
__________________
(١) في (س) فلمّا.
(٢) في (ط) الحروف.
(٣) في (س) «كما قالوا في منتن : منتن بكسر الميم إتباعا لكسرة التّاء» ؛ وفيها زيادة إيضاح.
(٤) س : ١ (الفاتحة ، ن : ١ ، مك).
(٤) س : ١ (الفاتحة ، ن : ١ ، مك).
(٥) سقطت من (س).
(٦) س : ٩ (التّوبة ، ن : ١٠٨ ، مد).
(٧) في (س) ويستدلّ.
(٨) زهير : سبقت ترجمته.
(٩) قيل : إنّ هذا البيت مع آخرين بعده ، وضعها حمّاد الرّاوية في مطلع قصيدة زهير التي مدح بها هرم بن سنان. فلمّا أنشدها في مجلس هارون الرّشيد بحضور المفضّل الضّبّي ، قاطعه وحمله على الاعتراف بوضعها.
المفردات الغريبة : قنّة الحجر : اسم موضع ؛ والقنّة في اللّغة أعلى الجبل. الحجر : منازل قوم ثمود عند وادي القرى. حجج : جمع حجّة ، سنة ؛ وهي اسم زمان كالدّهر. أقوين :خلون من السّكّان.
موطن الشّاهد : (من حجج ومن دهر).
موطن الشّاهد : احتجّ بعضهم بهذا الشّاهد على استعمال «من» في الزّمان كاستعمالها في المكان. وقد فنّد المؤلّف هذه الحجّة في المتن.