حروف (١) الاستفهام؟ قيل : إنّما أقاموها مقام حروف الاستفهام توسّعا في الكلام ، ولكلّ واحد منها موضع يختصّ به ، ف «من» سؤال عمّن يعقل ، و «ما» سؤال عمّا لا يعقل ، و «كم» سؤال عن العدد ، و «كيف» سؤال عن الحال ، و «أين» ، و «أنّى» سؤال عن المكان ، و «متى ، وأيّ حين ، وأيّان» سؤال عن الزّمان ، و «أيّ» يحكم عليها بما تضاف إليه ؛ فإنّها لا تكون إلّا مضافة ، ألا ترى أنّك لو قلت : من عندك؟ ؛ لوجب أن يقول المجيب : زيد أو عمرو ، وما أشبه ذلك ، ولو قال : فرس ، أو حمار ، لم يجز ؛ لأنّ «من» سؤال عمّن يعقل ، لا عمّا لا يعقل ؛ وكذلك لو قلت : أين زيد؟ ؛ لوجب أن تقول : في الدّار أو في المسجد ، وما أشبه ذلك ؛ فلو قال : يوم الجمعة لم يجز ؛ لأنّ «أين» سؤال عن المكان ، لا عن الزّمان ؛ وكذلك ـ أيضا ـ لو قلت : متى الخروج؟ ؛ لوجب أن تقول : «يوم الجمعة ، أو يوم السّبت» / أ/ و (٢) ما أشبه ذلك ، ولو قال : في الدّار ، أو في المسجد ؛ لم يجز ، لأنّ «متى» سؤال عن الزّمان لا عن المكان ، وكذلك سائرها.
[علّة إقامة هذه الكلمات مقام الهمزة]
فإن قيل : فلم أقاموا هذه الكلم مقام حرف واحد ، وهي همزة الاستفهام ، وهم يتوخّون الإيجاز والاختصار في الكلام؟ قيل : إنّما فعلوا ذلك للمبالغة في طلب الإيجاز والاختصار ، وذلك ؛ لأنّ هذه الكلم تشتمل على الجنس الذي تدلّ عليه ، ألا ترى أنّ «من» تشتمل على جميع من يعقل ، و «أين» تشتمل على جميع الأمكنة ، و «متى» تشتمل على جميع الأزمنة ، وكذلك سائرها؟ فلمّا كانت تشتمل على هذه الأجناس ؛ كان فيها فائدة ليست في الهمزة ، ألا ترى أنّك لو قلت : أزيد عندك؟ ؛ لجاز ألّا يكون زيد عنده ؛ فيقول : «لا» فتحتاج إلى أن تعيد السّؤال ، وتعدّ شخصا شخصا ، وربّما لا يذكر الشخص الذي هو عنده ، فلا يحصل لك الجواب عمّن عنده ؛ لأنّه لا يلزمه ذلك في سؤالك ، فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى التّطويل ؛ لأنّ استيعاب الأشخاص مستحيل ، أتى بلفظة تشتمل على جميع من يعقل وهي «من» فأقاموها مقام «الهمزة» ليلزم المسؤول الجواب عمّن عنده ، وكذلك لو قلت : أفي الدّار زيد ، أو في المسجد ؛ لجاز ألّا يكون في واحد منهما ؛ فيقول : «لا» فتحتاج ـ أيضا ـ أن تعيد السؤال ، وتعدّ مكانا مكانا ، وربّما لا يذكر ذلك المكان الذي هو فيه ، فلا يحصل لك الجواب عن
__________________
(١) في (س) حرف.
(٢) سقطت في (ط).