الفقيه النظّار المصنّف ، بقيّة العلماء ، وأوحد الفضلاء ، رأيته رحمهالله فصيح اللسان يتوقّد ذكاء.
فلمّا اجتمعنا سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد ، قال : من أين طريقك؟فأخبرته ، ثمّ قلت : دع الطريق ، لمّا رأيت حيطان بغداد ما وصلتها إلاّ بعد اللتيا والتي ، فسرّه كلامي ، وقال : أحسن الشريف ، فقد أبان بهذه الكلمة عن عقل في اختصاره ، وفضل بغريب كلامه ، وزاد على هذا القدر بكلام جميل ، فلمّا قال ما شاء وأنا ساكت ، قلت : أنا معتذر أطال الله بقاء سيّدنا.
قال : من أيّ شيء؟ قلت : ما أنا بدويّا فأتكلّم بالجيد طبعا ، والتظاهر بالتمييز في هذا المجلس الذي يغمره (١) كلّ مشار إليه في الفضل ، لكنة منّي مع هجانة من استعمل غريب الكلام ، وأقسم لقد كانت رهقة (٢) منّي وسهوا استولى عليّ.
فاستجمل هذا الاعتذار وجلّلت (٣) في عينه وقلبه ، ونسبني إلى رقّة الأخلاق وسباطة السجايا ، ومات رضياللهعنه آخر سنه ستّ أو سبع وثلاثين وأربعمائة ببغداد ، وخلّف ولدا وولد ولد ، وكان جاز (٤) الثمانين.
وأما محمّد ، فهو الشريف الأجلّ الرضي أبو الحسن نقيب نقباء الطالبيّين ببغداد ، وكانت له هيبة وجلالة ، وفيه ورع وعفّة وتقشّف ومراعاة للأهل وغيرة عليهم ، وعسف بالجاني منهم ، وكان أحد علماء الزمان ، قد قرأ على أجلاّء الرجال.
__________________
(١) في ش وك : يعمره (بالراء المهملة والعين المهملة).
(٢) في (ك وخ) «زهقة» بالزاء المعجمة وفي (ش) ذهقة بالذال والصواب ما في المتن.
(٣) (ك وش) : جليت وفي (ر وخ) حليت بحاء الحطية.
(٤) في (ك) حاز.