الألفاظ تأكيدات متتابعة في هذا المجال وتقديم «حقا علينا» على «نصر المؤمنين» الذي يدل على الحصر ، هو تأكيد آخر. وبالمجموع تعطي الآية هذا المعنى «إن نصر المؤمنين من المسلّم به هو في عهدتنا وهذا الوعد سنجعله عمليا دون الحاجة إلى نصر من الآخرين».
وهذه الجملة ـ ضمنا ـ فيها تسلية وطمأنة لقلوب المسلمين ، الذين كانوا حينئذ في مكّة تحت ضغوط الأعداء واضطهادهم وكان الأعداء أكثر عددا وعددا.
وأساسا فإنّ أعداء الله طالما كانوا غرقى في الآثام والذنوب ، فإنّ ذلك بنفسه أحد عوامل انتصار المؤمنين ، لأنّ الذنب سيدمرهم آخر الأمر ويهيء وسائل هلاكهم بأيديهم ، ويرسل عليهم نقمة الله.
أمّا الآية الأخرى فتعود ثانية لذكر نعمة هبوب الرياح فتقول : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) (١) أي القطع الصغيرة المتراكمة ثمّ تخرج قطرات المطر منها على شكل حبات صغيرة (فَتَرَى الْوَدْقَ (٢) يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ).
أجل ، إن واحدا من الآثار المهمة عند نزول الغيث ، يقع على عاتق الرياح ، إذ تحمل قطعات السحاب من البحر إلى الأرض العطشى واليابسة ، والرياح هي المأمورة ببسط السحاب والغيوم في السماء جعلها متراكمة بعضها فوق بعض ، وبعد أن تلطف الجو وتصيره رطبا تهيء الغيث للنزول.
إن مثل الرياح كمثل راعي الغنم المحنّك ، الذي يجمع قطيع الغنم عند الاقتضاء من أطراف الصحراء ، ويسير بها في مسير معيّن ليقوم بالتالي على حلب
__________________
(١) «الكسف» جمع «كسفة» على وزن «حجلة» ومعناها القطعة ، وهي هنا ـ كما يبدو ـ إشارة إلى القطعات من الغيوم المتراكمة بعضها فوق بعض فتجعلها غليظة وشديدة ، وذلك حين تكون الغيوم مهيأة لنزول المطر.
(٢) «الودق» على وزن (الحلق) وتطلق على ذرات الماء الصغيرة كمثل الغبار أحيانا ، إذ تتناثر عند نزول الغيث في السماء ، كما تطلق على قطرات «المطر» المتفرقة أحيانا ...