لبنها!.
وجملة (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) لعلها إشارة إلى أن غلظة الغيوم وشدة هبوب الرياح ، ليستا في تلك الدرجة التي تمنع خروج قطرات الغيث الصغيرة من الغيم ونزولها على الأرض ، بل إن هذه الذرات الصغيرة ـ على الرغم من الغيوم المغطاة بها صفحة السماء ـ تجد طريقها من خلال الغيوم إلى الأرض ، وتتناثر ناعمة على الأراضي العطشى حتى ترويها بصورة جيدة وفي الوقت ذاته لا تدمر الثمر.
إن الرياح الشديدة والأعاصير التي تقلع الشجرة من أصلها أحيانا ـ على عظمتها وتحرك الصخور ، تأذن للقطرة الناعمة أن تمرّ من خلالها وتستقر على الأرض!
وينبغي الالتفات الى أن كون السحاب قطعات متراكمة «كسفا» ـ وإن لم يكن لنا جليا بهذه الصورة ـ في اليوم الغائم ، حيث تغطي هذه القطع صفحة السماء ، فلا نحس بأنّها على شكل قطع ، بل نراه سحابا مبسوطا .. لكن حين تقلّنا الطائرة وتحلق بنا فوق السحاب أو من خلاله ، نلمس هذه الظاهرة بوضوح!
ويضيف القرآن في نهاية الآية قائلا : (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).
ثمّ تأتي الآية الأخرى بعدها فتقول : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) (١).
وإنّما يدرك هذا اليأس أو تلك البشارة أمثال العرب الذين يعيشون في رحلاتهم وتنقّلهم في الصحراء ، ولحياتهم علاقة وصلة قريبة مع هذه القطرات ، فأولئك يتفق أحيانا أن يلقى اليأس ظلاله السوداء على أنفسهم الظمأى ، كما أن أراضيهم ومزارعهم تبدو عليها آثار العطش ، وفجأة تهب الرياح المبشرة بنزول
__________________
(١) «مبلس» مأخوذة من مادة الإبلاس ، ومعناها اليأس وعدم الرجاء.