الخبر جاز أن تأتي بمبتدإ ثان ، على أن تشركه بحرف العطف في المعنى الذي أخبرت به عن الأول ، وإذا عرّفت لم يجز ذلك.
تفسير هذا أنك تقول : «زيد منطلق وعمرو» ، تريد «وعمرو منطلق أيضا» ، ولا تقول : «زيد المنطلق وعمرو» ، ذلك لأن المعنى مع التعريف على أنك أردت أن تثبت انطلاقا مخصوصا قد كان من واحد ، فإذا أثبته لزيد لم يصحّ إثباته لعمرو.
ثم إن كان قد كان ذلك الانطلاق من اثنين ، فإنه ينبغي أن تجمع بينهما في الخبر فتقول : «زيد وعمرو هما المنطلقان» ، لا أن تفرّق فتثبته أوّلا لزيد ، ثم تجيء فتثبته لعمرو.
ومن الواضح في تمثيل هذا النحو قولنا : «هو القائل بيت كذا» ، كقولك : جرير هو القائل : [من الطويل]
وليس لسيفي في العظام بقيّة (١)
فأنت لو حاولت أن تشرك في هذا الخبر غيره ، فتقول : «جرير هو القائل هذا البيت وفلان» ، حاولت محالا ، لأنه قول بعينه ، فلا يتصوّر أن يشرك جريرا فيه غيره.
واعلم أنك تجد «الألف واللام» في الخبر على معنى الجنس ، ثم ترى له في ذلك وجوها :
أحدها : أن تقصر جنس المعنى على المخبر عنه لقصدك المبالغة ، وذلك قولك : «زيد هو الجواد» و «عمرو هو الشجاع» ، تريد أنه الكامل ، إلا أنك تخرج الكلام في صورة توهم أن الجود أو الشجاعة لم توجد إلا فيه ، وذلك لأنك لم تعتدّ بما كان من غيره ، لقصوره عن أن يبلغ الكمال. فهذا كالأول في امتناع العطف عليه للإشراك ، فلو قلت : «زيد هو الجواد وعمرو» ، كان خلفا من القول.
والوجه الثاني : أن تقصر جنس المعنى الذي تفيده بالخبر على المخبر عنه ، لا على معنى المبالغة وترك الاعتداد بوجوده في غير المخبر عنه ، بل على دعوى أنه لا يوجد إلا منه. ولا يكون ذلك إلّا إذا قيّدت المعنى بشيء يخصّصه ويجعله في حكم
__________________
(١) البيت في ديوانه (٤٦١) من قصيدة قالها للفرزدق ويعاتب جده الخطفي ، وتمامه والبيت قبله :
أنا ابن صريحي خندق غير دعوة |
|
يكون مكان القلب منها مكانيا |
........... |
|
وللسيف أشوى وقعة من لسانيا |
الشوى دون القتل قد قصد أن لسانه أمرّ وأمضى من السيف.