ولا يخفى بعد ما بين الغرضين. فالمعنى في قولك : «أنت الحبيب» أنك الذي أختصّه بالمحبة من بين الناس ، وإذا كان كذلك ، عرفت أنّ الفرق واجب أبدا ، وأنه لا يجوز أن يكون «أخوك زيد» و «زيد أخوك» بمعنى واحد.
وهاهنا شيء يجب النظر فيه ، وهو أنّ قولك : «أنت الحبيب» ، كقولنا «أنت الشجاع» ، تريد أنّه الذي كملت فيه الشجاعة ، أم كقولنا : «زيد المنطلق» ، تريد أنه الذي كان منه الانطلاق الّذي سمع المخاطب به؟ وإذا نظرنا وجدناه لا يحتمل أن يكون كقولنا : «أنت الشجاع» ، لأنه يقتضي أن يكون المعنى أنه لا محبّة في الدنيا إلا ما هو به حبيب ، كما أنّ المعنى في «هو الشجاع» أنه لا شجاعة في الدنيا إلّا ما تجده عنده وما هو شجاع به. وذلك محال.
وأمر آخر وهو أن الحبيب «فعيل» بمعنى «مفعول» ، فالمحبة إذن ليست هي له بالحقيقة ، وإنما هي صفة لغيره قد لابسته وتعلّقت به تعلق الفعل بالمفعول.
والصّفة إذا وصفت بكمال وصفت به على أن يرجع ذلك الكمال إلى من هي صفة له ، دون من تلابسه ملابسة المفعول. وإذا كان كذلك ، بعد أن تقول : «أنت المحبوب» ، على معنى أنت الكامل في كونك محبوبا ، كما أن بعيدا أن يقال : «هو المضروب» ، على معنى أنه الكامل في كونه مضروبا.
وإن جاء شيء من ذلك جاء على تعسّف فيه وتأويل لا يتصوّر هاهنا ، وذلك أن يقال مثلا : «زيد هو المظلوم» ، على معنى أنّه لم يصب أحدا ظلم يبلغ في الشدة والشّناعة الظّلم الذي لحقه ، فصار كلّ ظلم سواه عدلا في جنبه ، ولا يجيء هذا التأويل في قولنا : «أنت الحبيب» ، لأنا نعلم أنهم لا يريدون بهذا الكلام أن يقولوا : إن أحدا لم يحبّ أحدا محبتي لك ، وأنّ ذلك قد أبطل المحبّات كلّها حتى صرت الذي لا يعقل للمحبة معنى إلّا فيه ، وإنما الذي يريدون أن المحبة منّي بجملتها مقصورة عليك ، وأنه ليس لأحد غيرك حظ في محبّة مني.
وإذا كان كذلك بان أنّه لا يكون بمنزلة «أنت الشجاع» ، تريد الذي يتكامل الوصف فيه ، إلا أنه ينبغي من بعد أن تعلم أن بين «أنت الحبيب» وبين «زيد المنطلق» فرقا ، وهو أنّ لك في المحبة التي أثبتّها طرفا من الجنسية ، من حيث كان المعنى أنّ المحبّة منّي بجملتها مقصورة عليك ، ولم تعمد إلى محبة واحدة من محبّاتك. ألا ترى أنك قد أعطيت بقولك : «أنت الحبيب» أنك لا تحبّ غيره ، وأن لا محبّة لأحد سواه عندك؟ ولا يتصوّر هذا في «زيد المنطلق» ، لأنه لا وجه هناك