في رواية من روى «وأرهنهم» ، وما شبهوه به من قولهم : «قمت وأصكّ (١) وجهه» فليست الواو فيها للحال ، وليس المعنى «نجوت راهنا مالكا» ، و «قمت صاكّا وجهه» ، ولكن «أرهن» و «أصكّ» حكاية حال ، مثل قوله : [من الكامل]
ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني ، |
|
فمضيت ، ثمّت قلت : لا يعنيني (٢) |
فكما أن «أمرّ» هاهنا في معنى «مررت» ، كذلك يكون «أرهن» و «أصكّ» هناك في معنى «رهنت» و «صككت».
ويبيّن ذلك أنك ترى «الفاء» تجيء مكان «الواو» في مثل هذا ، وذلك كنحو ما في الخبر في حديث عبد الله بن عتيك (٣) حين دخل على أبي رافع اليهوديّ حصنه قال : «فانتهيت إليه ، فإذا هو في بيت مظلم لا أدري أنّى هو من البيت ، فقلت : أبا رافع! فقال : من هذا؟ فأهويت نحو الصّوت ، فأضربه بالسّيف وأنا دهش» ، فكما أن «أضربه» مضارع قد عطفه بالفاء على ماض ، لأنه في المعنى ماض ، كذلك يكون «أرهنهم» معطوفا على الماضي قبله ، وكما لا يشكّ في أنّ المعنى في الخبر : «فأهويت فضربت» ، كذلك يكون المعنى في البيت : «نجوت ورهنت» ، إلا أن الغرض في إخراجه على لفظ الحال ، أن يحكى الحال في أحد الخبرين ، ويدع الآخر على ظاهره ، كما كان ذلك في «ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني ، فمضيت» ، إلّا أن الماضي في هذا البيت مؤخّر معطوف ، وفي بيت ابن همام وما ذكرناه معه ، مقدّم معطوف عليه. فاعرفه.
فإن دخل حرف نفي على المضارع تغيّر الحكم ، فجاء بالواو وبتركها كثيرا ، وذلك مثل قولهم : «كنت ولا أخشى بالذّئب» (٤) ، وقول مسكين الدارميّ : [من الرمل]
__________________
(١) أصك : صكه ضربه شديدا. القاموس «صكك» (١٢٢١).
(٢) البيت لشمر بن عمرو الحنفي أحد شعراء بني حنيفة باليمامة ، وهو في الأصمعيات رقم (٣٨) ص (١١٦) ، ورواه سيبويه في الكتاب ، والخزانة (١ / ١٧٣) ، وتفسير الطبري (٢ / ٣٥١). وفي الأغاني أن شمر قتل المنذر بن ماء السماء غيلة ، وكان الحارث بن جبلة الغساني قد بعث إلى المنذر بمائة غلام تحت لواء شمر هذا يسأله الأمان على أن يخرج له عن ملكه ويكون من قبله ، فركن المنذر إلى ذلك وأقام الغلمان معه فاغتاله شمر ، وتفرق من كان مع المنذر وانتهبوا عسكره. ومعنى البيت : يقول : أتجاهل شتم اللئيم لأنه أحقر من أن يعني لي شيئا.
(٣) عبد الله بن عتيك الأنصاري استشهد باليمامة سنة (١٢) ه. أسد الغابة (٣ / ٢٠٤) والإصابة (٢ / ٣٣٢).
(٤) أخشى : أخوف. مثل ذكره الميداني في مجمع الأمثال بلفظ «لقد كنت وما أخشى بالذئب». يضرب للعجوز الخرف الذي يخاف من هجوم الذئب عليه.