كان المعنى على أنك بدأت فأثبتّ المجيء والرؤية ، ثم استأنفت خبرا ، وابتدأت إثباتا ثانيا لسعي الغلام بين يديه ، ولكون السيف على كتفه. ولما كان المعنى على استئناف الإثبات ، احتيج إلى ما يربط الجملة الثانية بالأولى ، فجيء بالواو كما جيء بها في قولك : «زيد منطلق وعمرو ذاهب» و «العلم حسن والجهل قبيح» ، وتسميتنا لها «واو حال» ، لا يخرجها عن أن تكون مجتلبة لضمّ جملة إلى جملة.
ونظيرها في هذا «الفاء» في جواب الشرط نحو : «إن تأتني فأنت مكرم» ، فإنها وإن لم تكن عاطفة ، فإن ذلك لا يخرجها من أن تكون بمنزلة العاطفة في أنها جاءت لتربط جملة ليس من شأنها أن ترتبط بنفسها ، فاعرف ذلك ، ونزّل الجملة في نحو : «جاءني زيد يسرع» و «قد علوت قتود الرّحل يسفعني يوم» ، منزلة الجزاء الذي يستغني عن «الفاء» ، لأنّ من شأنه أن يرتبط بالشرط من غير رابط ، وهو قولك : «إن تعطني أشكرك» ، ونزّل الجملة في «جاءني زيد وهو راكب» ، منزلة الجزاء الذي ليس من شأنه أن يرتبط بنفسه ، ويحتاج إلى «الفاء» ، كالجملة في نحو : «إن تأتني فأنت مكرم» ، قياسا سويّا وموازنة صحيحة.
فإن قلت : قد علمنا أن علّة دخول «الواو» على الجملة أن تستأنف الإثبات ، ولا تصل المعنى الثاني بالأوّل في إثبات واحد ، ولا تنزّل الجملة منزلة المفرد ، ولكن بقي أن تعلم لم كان بعض الجمل ، بأن يكون تقديرها تقدير المفرد في أن لا يستأنف بها الإثبات ، أولى من بعض؟ وما الذي منع في قولك : «جاءني زيد وهو يسرع ، أو «وهو مسرع» أن يدخل الإسراع في صلة المجيء ويضمّه في الإثبات ، كما كان ذلك حين قلت : «جاءني زيد يسرع»؟.
فالجواب أن السّبب في ذلك أن المعنى في قولك : «جاءني زيد وهو يسرع» ، على استئناف إثبات للسّرعة ، ولم يكن ذلك في «جاءني زيد يسرع». وذلك أنك إذا أعدت ذكر «زيد» فجئت بضميره المنفصل المرفوع ، كان بمنزلة أن تعيد اسمه صريحا فتقول : «جاءني زيد وزيد يسرع» في أنك لا تجد سبيلا إلى أن تدخل «يسرع» في صلة المجيء ، وتضمّه إليه في الإثبات. وذلك أنّ إعادتك ذكر «زيد» لا يكون حتى تقصد استئناف الخبر عنه بأنه يسرع ، وحتى تبتدئ إثباتا للسرعة ، لأنّك إن لم تفعل ذلك ، تركت المبتدأ ، الذي هو ضمير «زيد» أو اسمه الظاهر ، بمضيعة ، وجعلته لغوا في البين ، وجرى مجرى أن تقول : «جاءني زيد وعمرو يسرع أمامه» ، ثم تزعم أنك لم تستأنف كلاما ولم تبتدئ للسرعة إثباتا ، وأن حال «يسرع» هاهنا ، حاله إذا قلت : «جاءني زيد يسرع» ، فجعلت السرعة له ، ولم تذكر «عمرا» ، وذلك محال.