ويشتري ، ويأكل ويشرب» وأشباه ذلك ، ازداد معنى الجمع في «الواو» قوة وظهورا ، وكان الأمر حينئذ صريحا.
وذلك أنك إذا قلت : «هو يضرّ وينفع» ، كنت قد أفدت «بالواو» أنك أوجبت له الفعلين جميعا ، وجعلته يفعلهما معا. ولو قلت : «يضرّ ينفع» : من غير «واو» لم يجب ذلك ، بل قد يجوز أن يكون قولك «ينفع» رجوعا عن قولك «يضر» وإبطالا له.
وإذا وقع الفعلان في مثل هذا في الصّلة ، ازداد الاشتباك والاقتران حتى لا يتصوّر تقدير إفراد في أحدهما عن الآخر ، وذلك في مثل قولك : «العجب من أنّي أحسنت وأسأت» و «يكفيك ما قلت وسمعت» و «أيحسن أن تنهى عن شيء وتأتي مثله؟» ، وذلك أنه لا يشتبه على عاقل أن المعنى على جعل الفعلين في حكم فعل واحد. ومن البيّن في ذلك قوله : [من البسيط]
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ، |
|
وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا (١) |
المعنى : لا تطمعوا أن تروا إكرامنا قد وجد مع إهانتكم ، وجامعها في الحصول.
ومما له مأخذ لطيف في هذا الباب قول أبي تمام : [من الطويل]
لهان علينا أن نقول وتفعلا |
|
ونذكر بعض الفضل منك وتفضلا (٢) |
واعلم أنه كما كان في الأسماء ما يصله معناه بالاسم قبله ، فيستغني بصلة معناه له عن واصل يصله ورابط يربطه ، وذلك كالصفة التي لا تحتاج في اتّصالها بالموصوف إلى شيء يصلها به ، وكالتأكيد الذي لا يفتقر كذلك إلى ما يصله بالمؤكد ، كذلك يكون في الجمل ما تتّصل من ذات نفسها بالتي قبلها ، وتستغني بربط معناها لها عن حرف عطف يربطها. وهي كلّ جملة كانت مؤكّدة للتي قبلها ومبيّنة لها ، وكانت إذا حصّلت لم تكن شيئا سواها ، كما لا تكون الصفة غير الموصوف ، والتأكيد غير المؤكد. فإذا قلت : «جاءني زيد الظريف» ، و «جاءني القوم كلهم» ، لم يكن «الظريف» و «كلّهم» غير زيد وغير القوم.
ومثال ما هو من الجمل كذلك قوله تعالى : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)
__________________
(١) من شعر الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ، شرح الحماسة للتبريزي (١ / ١٢١).
(٢) البيت في ديوانه (ص ٢٣٧) ، مطلع قصيدة في مدح محمد بن عبد الملك الزيات. ويروى : «فتفضلا» بدل من «وتفضلا» وبعده :
أبا جعفر أجريت في كل تلعة |
|
لنا جعفرا من سيب كفيك سلسلا |
لهان : أي والله لقد هان.