فإن قلت : أو ليس قد جاء ضمير الأمر مبتدأ به معرّى من العوامل في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)؟.
قيل : هو وإن جاء هاهنا ، فإنه لا يكاد يوجد مع الجملة من الشرط والجزاء ، بل تراه لا يجيء إلا «بإنّ» ، على أنّهم قد أجازوا في «قل هو الله أحد» ، أن لا يكون الضمير للأمر.
ومن لطيف ما جاء في هذا الباب ونادره ، ما تجده في آخر هذه الأبيات ، أنشدها الجاحظ لبعض الحجازيّين : [من الطويل]
إذا طمع يوما عراني قريته |
|
كتائب يأس ، كرّها وطرادها |
أكد ثمادي ، والمياه كثيرة |
|
أعالج منها حفرها واكتدادها |
وأرضى بها من بحر آخر ، إنّه |
|
هو الرّيّ أن ترضى النّفوس ثمادها (١) |
المقصود قوله : «إنّه هو الرّيّ» ، وذلك أن الهاء في «إنّه» تحتمل أمرين :
أحدهما : أن تكون ضمير الأمر ، ويكون قوله : «هو» ضمير «أن ترضى» ، وقد أضمره قبل الذكر على شريطة التفسير. الأصل : «إن الأمر ، أن ترضى النفوس ثمادها ، الريّ» ، ثم أضمر قبل الذكر كما أضمرت «الأبصار» في «فإنها لا تعمى الأبصار» على مذهب أبي الحسن ، ثم أتى بالمضمر مصرّحا به في آخر الكلام ، فعلم بذلك أن الضمير السابق له ، وأنه المراد به.
والثاني : أن تكون الهاء في «إنه» ضمير «أن ترضى» قبل الذكر ، ويكون «هو» فصلا ، ويكون أصل الكلام : «إنّ أن ترضى النفوس ثمادها هو الرّيّ» ثم أضمر على شريطة التفسير.
وأيّ الأمرين كان ، فإنه لا بدّ فيه من «إن» ، ولا سبيل إلى إسقاطها ، لأنك إن أسقطتها أفضى ذلك بك إلى شيء شنيع ، وهو أن تقول : «وأرضى بها من بحر آخر هو هو الريّ أن ترضى النفوس ثمادها». هذا ، وفي «إنّ» هذه شيء آخر يوجب الحاجة إليها ، وهو أنها تتولى من ربط الجملة بما قبلها نحوا مما ذكرت لك في بيت بشار. ألا ترى أنّك لو أسقطت «إنّ» والضميرين معا ، واقتصرت على ذكر ما يبقى من
__________________
(١) البيت الثاني في لسان العرب (كدد) ، منسوب لثعلب ومعناه : أرضى بالقليل وأقنع به. ثماد : جمع ثمد وهو الماء القليل ، وكدّ الشيء يكدّه واكتدّه : نزعه بيده ، يكون ذلك في الجامد والسائل.