شرحه ، من أنك أردت النصّ على «زيد» أنّه الجائي ، وأن تبطل ظنّ المخاطب أن المجيء لم يكن منه ، ولكن كان من «عمرو» حسب ما يكون إذا قلت : «جاءني زيد لا عمرو» ، فاعرفه.
وإذ قد عرفت هذه الجملة ، فإنّا نذكر جملة من القول في «ما» و «إلّا» وما يكون من حكمهما.
اعلم أنك إذا قلت : «ما جاءني إلّا زيد» : احتمل أمرين :
أحدهما : أن تريد اختصاص «زيد» بالمجيء وأن تنفيه عمن عداه ، وأن يكون كلاما تقوله ، لا لأنّ بالمخاطب حاجة إلى أن يعلم أن «زيدا» قد جاءك ، ولكن لأنّ به حاجة إلى أن يعلم أنه لم يجئ إليك غيره.
والثاني : أن تريد الذي ذكرناه في «إنّما» ، ويكون كلاما تقوله ليعلم أن الجائي «زيد» لا غيره. فمن ذلك قولك للرجل يدّعي أنك قلت قولا ثم قلت خلافه : «ما قلت اليوم إلّا ما قلته أمس بعينه» ويقول : «لم تر زيدا ، وإنما رأيت فلانا» ، فتقول : «بل لم أر إلّا زيدا». وعلى ذلك قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ١١٧] ، لأنه ليس المعنى : إنّي لم أزد على ما أمرتني به شيئا ، ولكن المعنى : إنّي لم أدع ما أمرتني به أن أقوله لهم وقلت خلافه.
ومثال ما جاء في الشعر من ذلك قوله : [من السريع]
قد علمت سلمى وجاراتها |
|
ما قطّر الفارس إلّا أنا (١) |
المعنى : أنا الذي قطّر الفارس ، وليس المعنى على أنه يريد أن يزعم أنه انفرد بأن قطّره ، وأنه لم يشركه فيه غيره.
وهاهنا كلام ينبغي أن تعلمه ، إلا أني أكتب لك من قبله مسألة ، لأن فيها عونا عليه. قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ، في تقديم اسم الله عزوجل معنى خلاف ما يكون لو أخّر. وإنّما يبين لك ذلك إذا اعتبرت الحكم في «ما» و «إلا» ، وحصّلت الفرق بين أن تقول : «ما ضرب زيدا إلّا عمرو» ، وبين قولك : «ما ضرب عمرو إلّا زيدا».
__________________
(١) البيت لعمرو بن معد يكرب في ديوانه (١٦٧) ، والأغاني (١٥ / ١٦٩) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (٤١١) ، وله أو للفرزدق في شرح شواهد المغني (٢ / ٧١٩) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر (٧ / ٢٤٣) ، ولسان العرب (قطر) ، والإيضاح (١٢٦) ، بتحقيق د. هنداوي ، والمفتاح (٤٠٣) بلا نسبة. وقطّره بالتضعيف : ألقاه على جنبه ، وقطره من باب القتل : صرعه.