في الكلمة من قبل أن يجيء الحرف. وإذا كان الأمر كذلك ، وجب أن يفترق الحال بين أن تقدّم المفعول على «إلّا» فتقول : «ما ضرب زيدا إلا عمرو» ، وبين أن تقدم الفاعل فتقول : «ما ضرب عمرو إلّا زيدا» ، لأنّا إن زعمنا أنّ الحال لا يفترق ، جعلنا المتقدم كالمتأخر في جواز حدوثه فيه. وذلك يقتضي المحال الذي هو أن يحدث معنى «إلّا» في الاسم من قبل أن تجيء بها ، فاعرفه.
وإذا قد عرفت أن الاختصاص مع «إلا» يقع في الذي تؤخّره من الفاعل والمفعول ، فكذلك يقع مع «إنما» في المؤخّر منهما دون المقدّم. فإذا قلت : «إنّما ضرب زيدا عمرو» ، كان الاختصاص في الضارب ، وإذا قلت : «إنّما ضرب عمرو زيدا» ، كان الاختصاص في المضروب ، وكما لا يجوز أن يستوي الحال بين التقديم والتأخير مع «إلّا» ، كذلك لا يجوز مع «إنّما».
وإذا استبنت هذه الجملة ، عرفت منها أنّ الذي صنعه الفرزدق في قوله :
وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (١)
شيء لو لم يصنعه لم يصحّ له المعنى. ذاك لأنّ غرضه أن يخصّ المدافع لا المدافع عنه. ولو قال : «إنّما أدافع عن أحسابهم» ، لصار المعنى أنّه يخص المدافع عنه ، وأنّه يزعم أن المدافعة منه تكون عن أحسابهم لا عن أحساب غيرهم ، كما يكون إذا قال : «وما أدافع إلّا عن أحسابهم» ، وليس ذلك معناه ، إنما معناه أن يزعم أنّ المدافع هو لا غيره ، فاعرف ذلك ، فإن الغلط كما أظنّ يدخل على كثير ممن تسمعهم يقولون : «إنه فصل الضمير للحمل على المعنى» ، فيرى أنه لو لم يفصله ، لكان يكون معناه مثله الآن.
هذا ولا يجوز أن ينسب فيه إلى الضرورة ، فيجعل مثلا نظير قول الآخر : [من الهزج]
كأنّا يوم قرّى إنّ |
|
ما نقتل إيّانا (٢) |
__________________
(١) راجع ص (٢١٧) هامش (١).
(٢) البيت من الكتاب لسيبويه (٢ / ١١١ ، ٣٦٢) ونسبه سيبويه إلى بعض اللصوص ، والبيت لذي الأصبع العدواني أو أبي بجيلة. انظر الخصائص (٢ / ١٩٤) ، وبعده :
وقتلنا منهم كل |
|
فتى أبيض حسانا |
وقرى : بالضم وتشديد الراء : موضع في بلاد بني الحارث بن كعب ، فكأنهم قتلوا أنفسهم كما ذكر الشنتمرى أو يكون شبه أعداءهم الذين قتلوهم بأنفسهم في السيادة والحسن.