التقدير : «ولا تقولوا لنا آلهة ثلاثة ـ أو : في الوجود آلهة ثلاثة» ، ثم حذف الخبر الذي هو «لنا» أو «في الوجود» كما حذف من : «لا إله إلا الله» و (ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٦٢] ، فبقي «ولا تقول آلهة ثلاثة» ، ثم حذف الموصوف الذي هو «آلهة» ، فبقي : «ولا تقولوا ثلاثة». وليس في حذف ما قدّرنا حذفه ما يتوقّف في صحّته. أما حذف الخبر الذي قلنا أنه «لنا» أو «في الوجود» ، فمطّرد في كلّ ما معناه التّوحيد ، ونفي أن يكون مع الله ، تعالى عن ذلك ، إله.
وأمّا حذف الموصوف بالعدد ، فكذلك شائع ، وذلك أنه كما يسوغ أن تقول : «عندي ثلاثة» ، وأنت تريد «ثلاثة أثواب» ، ثم تحذف ، لعلمك أن السامع يعلم ما تريد ، كذلك يسوغ أن تقول : «عندي ثلاثة» ، وأنت تريد «أثواب ثلاثة ، لأنه لا فصل بين أن تجعل المقصود بالعدد مميّزا ، وبين أن تجعله موصوفا بالعدد ، في أنه يحسن حذفه إذا علم المراد.
يبيّن ذلك أنك ترى المقصود بالعدد قد ترك ذكره ، ثم لا تستطيع أن تقدّره إلا موصوفا ، وذلك في قولك : «عندي اثنان» ، و «عندي واحد» ، يكون المحذوف هاهنا موصوفا لا محالة ، نحو : «عندي رجلان اثنان» و «عندي درهم واحد» ، ولا يكون مميّزا البتّة ، من حيث كانوا قد رفضوا إضافة «الواحد» و «الاثنين» إلى الجنس ، فتركوا أن يقولوا : «واحد رجال» و «اثنا رجال» على حدّ «ثلاثة رجال» ، ولذلك كان قول الشاعر : [من الرجز]
ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (١)
شاذّا. هذا ، ولا يمتنع أن يجعل المحذوف من الآية في موضع التمييز دون موضع الموصوف ، فيجعل التّقدير : «ولا تقولوا ثلاثة آلهة» ، ثم يكون الحكم في الخبر على ما مضى ، ويكون المعنى ، والله أعلم ، «ولا تقولوا لنا ثلاثة آلهة ، أو في الوجود ثلاثة آلهة».
فإن قلت : فلم صار لا يلزم على هذا التقدير ما لزم على قول من قدّر : «ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة»؟.
فذاك لأنّا إذا جعلنا التّقدير : «ولا تقولوا لنا ، أو : في الوجود ، آلهة ثلاثة ، أو
__________________
(١) الرجز : لخطام المجاشعي أو لجندل بن المثنى أو لسلمى الهذلية أو لشماء الهذلية (خزانة الأدب ٧ / ٤٠٠ ، ٤٠٤) ، وغير منسوب في (شرح الحماسة للتبريزي ٤ / ١٦٦). ورواية أبي تمام في الحماسة : «سحق جراب فيه ثنتا حنظل». فذاك : جواب السؤال.