وهو إخراجه عن موضع النّفي والإنكار ، إلى موضع الثّبوت والاستقرار ، جلّ الله وتعالى عن شبه المخلوقين ، وعن جميع ما يقول الظالمون ، علوّا كبيرا.
فإن قيل : إنّ هذه قراءة معروفة ، والقول بجواز الوصفية في «الابن» كذلك معروف ومدوّن في الكتب ، وذلك يقتضي أن يكونوا قد عرفوا في الآية تأويلا يدخل به «الابن» في الإنكار مع تقدير الوصفية فيه.
قيل : إن القراءة كما ذكرت معروفة ، والقول بجواز أن يكون «الابن» صفة مثبت مسطور في الكتب كما قلت ، ولكنّ الأصل الذي قدمناه من أن الإنكار إذا لحق لحق الخبر دون الصفة ليس بالشيء الذي يعترض فيه شكّ أو تتسلّط عليه شبهة. فليس يتّجه أن يكون «الابن» صفة ثمّ يلحقه الإنكار مع ذلك ، إلّا على تأويل غامض ، وهو أن يقال : إن الغرض الدّلالة على أن اليهود قد كان بلغ من جهلهم ورسوخهم في هذا الشّرك ، أنهم كانوا يذكرون «عزيرا» هذا الذكر ، كما تقول في قوم تريد أن تصفهم بأنهم قد استهلكوا في أمر صاحبهم وغلوا في تعظيمه : «إنّي أراهم قد اعتقدوا أمرا عظيما ، فهم يقولون أبدا : زيد الأمير» ، تريد أنه كذلك يكون ذكرهم إذا ذكروه ، إلّا أنه إنما يستقيم هذا التأويل فيه ، إذا أنت لم تقدّر له خبرا معيّنا ، ولكن تريد أنّهم كانوا لا يخبرون عنه بخبر إلا كان ذكرهم له هكذا.
وممّا هو من هذا الذي نحن فيه قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١]. وذلك أنّهم قد ذهبوا في رفع «ثلاثة» إلى أنها خبر مبتدأ محذوف ، وقالوا : إن التقدير : «ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة». وليس ذلك بمستقيم.
وذلك أنا إذا قلنا : «ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة» ، كان ذلك ، والعياذ بالله ، شبه الإثبات أنّ هاهنا آلهة ، من حيث أنك إذا نفيت ، فإنما تنفي المعنى المستفاد من الخبر عن المبتدأ ، ولا تنفي معنى المبتدأ ، فإذا قلت : «ما زيد منطلقا» ، كنت نفيت الانطلاق الذي هو معنى الخبر عن زيد ، ولم تنف معنى زيد ولم توجب عدمه. وإذا كان ذلك كذلك ، فإذا قلنا : «ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة» ، كنا قد نفينا أن تكون عدّة الآلهة ثلاثة ، ولم ننف أن تكون آلهة ، جلّ الله تعالى عن الشّريك والنّظير كما أنك إذا قلت : «ليس أمراؤنا ثلاثة» ، كنت قد نفيت أن تكون عدّة الأمراء ثلاثة ، ولم تنف أن يكون لكم أمراء. هذا ما لا شبهة فيه. وإذا أدّى هذا التقدير إلى هذا الفساد ، وجب أن يعدل عنه إلى غيره.
والوجه ، والله أعلم ، أن تكون «ثلاثة» صفة مبتدأ لا خبر مبتدأ ، ويكون