ويكفيك أنه يلزم على ما قالوه أن يكون امرؤ القيس حين قال : [من الطويل]
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (١)
قاله وهو لا يعلم ما نعنيه بقولنا : أن «قفا» أمر ، و «نبك» جواب الأمر ، و «ذكرى» مضاف إلى «حبيب» ، و «منزل» معطوف على الحبيب وأن تكون هذه الألفاظ قد ترتّبت له من غير قصد منه إلى هذه المعاني. وذلك يوجب أن يكون قال : «نبك» بالجزم من غير أن يكون عرف معنى يوجب الجزم ، وأتى به مؤخرا عن «قفا» ، من غير أن عرف لتأخيره موجبا سوى طلب الوزن.
ومن أفضت به الحال إلى أمثال هذه الشناعات ، ثم لم يرتدع ، ولم يتبيّن أنه على خطأ ، فليس إلّا تركه والإعراض عنه.
ولو لا أنّا نحبّ أن لا ينبس أحد في معنى السّؤال والاعتراض بحرف إلّا أريناه الذي استهواه ، لكان ترك التشاغل بإيراد هذا وشبهه أولى. ذاك لأنّا قد علمنا علم ضرورة أنّا لو بقينا الدهر الأطول نصعّد ونصوّب ، ونبحث وننقّب ، نبتغي كلمة قد اتصلت بصاحبة لها ، ولفظة قد انتظمت مع أختها ، من غير أن توخّي فيما بينهما معنى من معاني النحو ، طلبنا ممتنعا ، وثنينا مطايا الفكر ظلّعا. فإن كان هاهنا من يشكّ في ذلك ، ويزعم أنه قد علم لاتّصال الكلم بعضها ببعض ، وانتظام الألفاظ بعضها مع بعض ، معاني غير معاني النحو ، فإنا نقول له : هات ، فبيّن لنا تلك المعاني ، وأرنا مكانها ، واهدنا لها ، فلعلّك قد أوتيت علما قد حجب عنّا ، وفتح لك باب قد أغلق دوننا : [من الوافر]
وذاك له إذا العنقاء صارت |
|
مربّبة وشبّ ابن الخصيّ (٢) |
__________________
(١) راجع هامش رقم (١) ص (٢٣٦).
(٢) البيت لأبي تمام في ديوانه (٣٣٠) من قصيدة في مدح الحسن بن وهب ، وقبله :
ويتبع نعمتي بك عين ضغن |
|
كما نظر اليتيم إلى الوصيّ |
رجاء أنه يوري بزندي |
|
لديك وأنه يعزى فرييّ |
والبيت فيه تعليق أمر مستحيل على أمر مستحيل. والعنقاء : طائر ضخم ، وقيل : طائر خرافي مثله مثل الغول. مرببة : أي يربّيها الناس كما يربى الحمام وهذا محال ، الخصيّ : لا ولد له فأنى يكون له ولد يشيب.