يضم لهما المعنى ، ويدخل الخلل عليه من أجلهما ، وعلى أن يتعسّف في الاستعارة بسببهما ، ويركب الوعورة ، ويسلك المسالك المجهولة ، كالذي صنع أبو تمام في قوله : [من البسيط]
سيف الإمام الّذي سمّته هييته |
|
لمّا تخرّم أهل الأرض مخترما |
قرّت بقرّان عين الدين وانتشرت |
|
بالأشترين عيون الشّرك فاصطلما (١) |
وقوله : [من الكامل]
ذهبت بمذهبه السّماحة والتوت |
|
فيه الظّنون ، أمذهب أم مذهب (٢) |
ويصنعه المتكلفون في الأسجاع. وذلك أنّه لا يتصوّر أن يجب بهما ، ومن حيث هما ، فضل ، ويقع بهما مع الخلوّ من المعنى اعتداد. وإذا نظرت إلى تجنيس أبي تمام : «أمذهب أم مذهب» ، فاستضعفته ، وإلى تجنيس القائل : [من البسيط] حتّى نجا من خوفه وما نجا (٣) وقول المحدث : [من الخفيف]
ناظراه فيما جنى ناظراه ، |
|
أو دعاني أمت بما أو دعاني (٤) |
فاستحسنته ، لم تشكّ بحال أن ذلك لم يكن لأمر يرجع إلى اللّفظ ، ولكن لأنك رأيت الفائدة ضعفت في الأوّل ، وقويت في الثاني. وذلك ؛ أنّك رأيت أبا تمام لم يزدك بمذهب ومذهب ، على أن أسمعك حروفا مكررة لا تجد لها فائدة إن وجدت ، إلا متكلّفة متمحّلة ، ورأيت الآخر قد أعاد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن
__________________
(١) البيتان في الديوان (ص ٢٨٤) من قصيدة قالها يمدح إسحاق بن إبراهيم المصعبي. ويفصل بين البيتين بيت آخر نصه :
إنّ الخليفة لما صال كنت له |
|
خليفة الموت في من جار أو ظلما |
وتخرّم : تشقق ويقال : رجل مخروم : أي قطعت وترة أنفه. ويقال : اخترم فلان عنا : مات وذهب ، واخترمهم الدهر وتخرّمهم أي : اقتطعهم واستأصلهم. وشترت العين : استرخت وانشقت ، واصطلم : استؤصل.
(٢) البيت في ديوانه من قصيدة له يمدح الحسن بن وهب ويصف غلاما أهداه إليه.
(٣) البيت في أسرار البلاغة غير منسوب ، وقال الشيخ شاكر ـ رحمهالله ـ في تعليقه : «نجا» الأولى من «النجو» وهو ما يخرج من البطن من الغائط ، يريد أنه من خوفه أحدث ، ثم لم ينج من «النجاة».
(٤) البيت في أسراء البلاغة (ص ٧) ، وهو لشدّاد بن إبراهيم الجزري أو لأبي الفتح البستي.