المعقول أن الناس إنما يكلم بعضهم بعضا ليعرف السامع غرض المتكلم ومقصوده ، فينبغي أن ينظر إلى مقصود المخبر من خبره ، ما هو؟ أهو أن يعلم السامع المخبر به والمخبر عنه ، أم أن يعلمه إثبات المعنى المخبر به للمخبر عنه؟
فإن قيل : إن المقصود إعلامه السامع وجود المعنى من المخبر عنه ، فإذا قال : «ضرب زيد» كان مقصوده أن يعلم السّامع وجود الضرب من زيد ، وليس الإثبات إلّا إعلامه السامع وجود المعنى.
قيل له : فالكافر إذا أثبت مع الله تعالى عمّا يقول الظالمون ، إلها آخر ، يكون قاصدا أن يعلم ، نعوذ بالله تعالى ، أن مع الله تعالى إلها آخر؟ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، وكفى بهذا فضيحة.
وجملة الأمر ، أنه ينبغي أن يقال لهم : أتشكّون في أنّه لا بدّ من أن يكون لخبر المخبر معنى يعلمه السامع علما لا يكون معه شكّ ، ويكون ذلك معنى اللفظ وحقيقته؟
فإذا قالوا : لا نشكّ.
قيل لهم : فما ذلك المعنى؟
فإن قالوا : هو وجود المعنى المخبر به من المخبر عنه أو فيه ، إذا كان الخبر إثباتا ، وانتفاؤه عنه إذا كان نفيا لم يمكنهم أن يقولوا ذلك إلا من بعد أن يكابروا فيدّعوا أنهم إذا سمعوا الرجل يقول : «خرج زيد» ، علموا علما لا شكّ معه ، وجود الخروج من زيد. وكيف يدّعون ذلك ، وهو يقتضي أن يكون الخبر على وفق المخبر عنه أبدا ، وأن لا يجوز فيه أن يقع على خلاف المخبر عنه ، وأن يكون العقلاء قد غلطوا حين جعلوا من خاصّ وصفه أنّه يحتمل الصّدق والكذب ، وأن يكون الذي قالوه في أخبار الآحاد وأخبار التواتر من أن العلم يقع بالتّواتر دون الآحاد سهوا منهم ، ويقتضي الغنى عن المعجزة ، لأنه إنما احتيج إليها ليحصل العلم بكون الخبر على وفق المخبر عنه ، فإذا كان لا يكون إلا على وفق المخبر عنه ، لم تقع الحاجة إلى دليل يدلّ على كونه كذلك ، فاعرفه.
واعلم أنّه إنما لزمهم ما قلناه ، من أن يكون الخبر على وفق المخبر عنه أبدا ، من حيث أنه إذا كان معنى الخبر عندهم ، إذا كان إثباتا ، أنه لفظ موضوع ليدل على وجود المعنى المخبر به من المخبر عنه أو فيه ، وجب أن يكون كذلك أبدا ، وأن لا