بالفرزدق ، وأن يقتضى له بالسّبق إليه ، إذ ليس في الجملة التي بنى عليها ما يوجب شيئا من ذلك ، فاعرفه.
والنّكتة التي يجب أن تراعى في هذا ، أنه لا تتبيّن لك صورة المعنى الذي هو معنى الفرزدق ، إلا عند آخر حرف من البيت ، حتى إن قطعت عنه قوله «هجائيا» بل «الياء» التي هي ضمير الفرزدق ، لم يكن الذي تعقله منه ممّا أراده الفرزدق بسبيل ، لأن غرضه تهويل أمر هجائه ، والتحذير منه ، أنّ من عرّض أمّه له ، كان قد عرّضها لأعظم ما يكون من الشّرّ.
وكذلك حكم نظائره من الشعر ، فإذا نظرت إلى قول القطامي : [من البسيط]
فهنّ ينبذن من قول يصبن به |
|
مواقع الماء من ذي الغلّة الصّادي (١) |
وجدتك لا تحصل على معنى يصحّ أن يقال إنه غرض الشاعر ومعناه ، إلّا عند قوله «ذي الغلّة».
ويزيدك استبصارا فيما قلناه ، أن تنظر فيما كان من الشعر جملا قد عطف بعضها على بعض بالواو ، كقوله : [من الكامل]
النّشر مسك ، والوجوه دنا |
|
نير ، وأطراف الأكفّ عنم (٢) |
وذلك أنك ترى الذي تعقله من قوله : «النشر مسك» ، لا يصير بانضمام قوله : «والوجوه دنانير» ، إليه شيئا غير الذي كان ، بل تراه باقيا على حاله. كذلك ترى ما تعقل من قوله : «والوجوه دنانير» ، لا يلحقه تغيير بانضمام قوله : و «أطراف الأكفّ عنم» ، إليه.
وإذ قد عرفت ما قرّرناه من أنّ من شأن الجملة أن يصير معناها بالبناء عليها
__________________
(١) البيت في ديوانه (ص ٨١) ، والإيضاح (ص ٢٣٧) ، ولسان العرب (صدى) ، وأسرار البلاغة (نبذ).
(٢) البيت للمرقش الأكبر في ديوانه ، والمفضليات (٢٣٨) ، وفي مفتاح العلوم (ص ٦٦١) بتحقيقنا ، وكذلك الإيضاح (٢٢٨) ، من قصيدة له مطلعها :
هل بالديار أن تجيب صمم |
|
لو كان رسم ناطقا كلّم |
والبيت في الإشارات (ص ١٨٢) ، والأسرار (ص ١٢٣) ، واللسان (قوم) ، ومعجم الشعراء (ص ١٠٢) ، وتاج العروس (قوم) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٩٧٨) ، والاشتقاق (ص ٤٦).
والنشر : الريح ، يقول ريحههن كالمسك. دنانير : ممنوع من الصرف ويقرؤه كثير من الناس هنا مصروفا ، وهو خطأ رواية ، والعنم : شجر أحمر لين الأغصان شبه حمرة أطراف الأصابع به.