وإنّي وإن بلّغتني شرف الغنى |
|
واعتقت من رقّ المطامع أخدعي (١) |
فإن لها في هذين المكانين ما لا يخفى من الحسن ، ثم إنك تتأملها في بيت أبي تمام : [من المنسرح]
يا دهر قوّم من أخدعيك ، فقد |
|
أضججت هذا الأنام من خرقك (٢) |
فتجد لها من الثّقل على النفس ، ومن التنغيص والتكدير ، أضعاف ما وجدت هناك من الرّوح والخفّة ، ومن الإيناس والبهجة.
ومن أعجب ذلك لفظة «الشّيء» ، فإنك تراها مقبولة حسنة في موضع ، وضعيفة مستكرهة في موضع. وإن أردت أن تعرف ذلك ، فانظر إلى قول عمر بن أبي ربيعة المخزوميّ : [من الطويل]
ومن مالئ عينيه من شيء غيره |
|
إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى (٣) |
وقول أبي حيّة : [من الطويل]
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة |
|
تقاضاها شيء لا يملّ التّقاضيا (٤) |
فإنك تعرف حسنها ومكانها من القبول ، ثم انظر إليها في بيت المتنبي: [من الطويل]
لو الفلك الدّوّار أبغضت سعيه |
|
لعوّقه شيئ عن الدّوران (٥) |
فإنك تراها تقلّ وتضؤل ، بحسب نبلها وحسنها فيما تقدّم وهذا باب واسع ، فإنك تجد متى شئت الرّجلين قد استعملا كلما بأعيانها ، ثم ترى هذا قد فرع السّماك (٦) ، وترى ذاك قد لصق بالحضيض ، فلو كانت الكلمة إذا حسنت حسنت من حيث هي لفظ ، وإذا استحقت المزيّة والشرف استحقّت ذلك في ذاتها وعلى انفرادها ، دون أن يكون السبب في ذلك حال لها مع أخواتها المجاورة لها في النظم ، لما اختلف بها الحال ، ولكانت إمّا أن تحسن أبدا ، أو لا تحسن أبدا.
__________________
(١) البيت للبحتري في ديوانه فانظره ، والأخدع : عرق في العنق.
(٢) البيت في ديوانه ، والخرق : نقيض الرّفق ، والخرق مصدره. اللسان (خرق).
(٣) البيت في ديوانه ، والكتاب (١ / ١٦٥) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٥٣١).
(٤) في ديوانه المجموع ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (قضى) ، وتاج العروس (قضى).
(٥) في ديوانه وهو من القصيدة التي قالها في مدح كافور سنة ٣٤٨ ه.
(٦) فرع كلّ شيء : أعلاه. والسماء كان نجمان نيّران أحدهما الرامح والآخر الأعزل. ا. ه القاموس (١٢١٨).