صاحبه ، ولا تقضي له بالحذق والأستاذية وسعة الذّرع وشدة المنّة (١) ، حتى تستوفي القطعة وتأتي على عدة أبيات. وذلك ما كان من الشعر في طبقة ما أنشدتك من أبيات البحتري ، ومنه ما أنت ترى الحسن يهجم عليك منه دفعة ، ويأتيك منه ما يملأ العين ضربة ، حتى تعرف من البيت الواحد مكان الرجل من الفضل ، وموضعه من الحذق ، وتشهد له بفضل المنّة وطول الباع ، وحتى تعلم ، إن لم تعلم القائل ، أنّه من قيل شاعر فحل ، وأنه خرج من تحت يد صناع ، وذلك ما إذا أنشدته وضعت فيه اليد على شيء فقلت : هذا ، هذا! وما كان كذلك فهو الشّعر الشاعر ، والكلام الفاخر ، والنّمط العالي الشريف ، والذي لا تجده إلّا في شعر الفحول البزّل (٢) ، ثم المطبوعين الذين يلهمون القول إلهاما.
ثم إنّك تحتاج إلى أن تستقري عدّة قصائد ، بل أن تفلي (٣) ديوانا من الشعر ، حتى تجمع منه عدّة أبيات. وذلك ما كان مثل قول الأوّل ، وتمثّل به أبو بكر الصّدّيق رضوان الله عليه حين أتاه كتاب خالد بالفتح في هزيمة الأعاجم : [من الوافر]
تمنّانا ليلقانا بقوم |
|
تخال بياض لأمهم السّرابا |
فقد لاقيتنا فرأيت حربا |
|
عوانا تمنع الشّيخ الشرابا (٤) |
انظر إلى موضع «الفاء» في قوله :
فقد لاقيتنا فرأيت حربا
ومثل قول العباس بن الأحنف : [من البسيط]
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ، |
|
ثمّ القفول ، فقد جئنا خراسانا (٥) |
__________________
(١) بالضم : القوة. القاموس / منن / (١٥٩٤).
(٢) تقول جمل وناقة بازل وبزول جمل بزّل أي في تاسع سنة والرجل الكامل في تجربته. القاموس / بزل / (١٢٤٨).
(٣) تقول فلاه بالسيف يفليه وفلي الشعر تدبره واستخرج معانيه. فلى رأسه بحث عن القمل. القاموس / فلي / (١٤٠٧).
(٤) من شعر الصحابي الجليل زياد بن حنظلة التميمي وهما من قصيدة وردت في خبر ذكره الطبري في تاريخه (٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥). اللأم : جمع لأمة : الدرع. القاموس / لأم / (١٤٩٢).
(٥) في ديوانه من أبيات قالها للرشيد ، وهو ذاهب إلى أرمينية ومنها :
ما أقدر الله أن يدني على شحط |
|
سكان دجلة من سكان جيحانا |
متى الذي كنت أرجوه وآمله |
|
أمّا الذي كنت أخشاه فقد كانا |
عين الزمان أصابتنا فلا نظرت |
|
وعذّبت بصنوف الهجر ألوانا |
انظر الأغاني (٨ / ٣٨٨) ، وجيحان : نهر بالمصيصة بالثغر الشامي ، ومخرجه من بلاد الروم ويمر حتى يصب بمدينة تعرف بكفربيّا بإزاء المصيصة.