ولكي تحل علينا رحمة الرب لا بد ان نحسن للآخرين فنأخذ منهم لنعطيهم ، وإلا فلن تكون الرحمة من نصيبنا ولا الهدى. لماذا؟ وما هي علاقة الإحسان بالهداية في حياة الإنسان؟
والجواب : ان الّذي يعيش حالة مناقضة للإحسان كابتزاز حقوق الآخرين ، انما يقوم بذلك لما يعيشه من حب مفرط للذات ، فلا يرى من هذا الكون الرحيب سوى نفسه ، فيعبد هواه ، وبالتالي يبتعد عن الحق ، وهكذا يكون مقياسه المصلحة لا القيم ، وهدفه الذات لا الحق وهذا يسبب كل انحراف. ان العقل والرسالات الإلهية توجه الإنسان الى حقائق الخليقة ، بينما توجهه شهواته واهواؤه الى داخل ذاته ومن هنا فان استمرار اتباع الهوى يطفئ شعلة العقل ، وهذا هو الضلال البعيد ، ومن هنا يؤكد ربنا بأن المحسن هو الّذي يصيب طريق الهدى في عالم المعنويات ، والرحمة في عالم المادة ، والتي هي الأخرى نتيجة للهدى.
ولو تدبرنا آيات القرآن لوجدنا ان من أهم ميزات الأنبياء الإحسان الى الناس ، بل وقد تكون العامل الهام في اصطفائهم للنبوة.
قال تعالى عن نبيه يوسف (ع) : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (١)
وقال عن النبي موسى (ع) : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢)
وأكد ربنا هذا المعنى بصورة عامة إذ قال : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ
__________________
(١) يوسف / (٢٢).
(٢) القصص / (٢٨).