يستقذره الناس ، ويكرهون الدنو منه.
واعلم انه ليس منزلة الشيء على حسب قيمته ، بل هما قيمتان مختلفتان بسوقين ، وربما كان الخسيس في سوق المكتسب نفيسا في سوق العلم ، فلا تستصغر العبرة في الشيء لصغر قيمته ، فلو فطنوا طالبوا الكيميا لما في العذرة لاشتروها بأنفس الأثمان ، وغالبوا بها» (١)
انك إذا سلمت للحق فسوف تبحث عنه ، وحين تبحث عنه تجده ، وإذا كانت الحاجة أم الاختراع ، فان الاحساس هو السبب الرئيسي للمعرفة ، لان الإنسان لا يعرف بالشيء الا إذا أحس بالحاجة الى معرفته ، فمن لا ايمان له واكتفى بظنونه لا يحس بالحاجة الى المعرفة ، لان الهوى موجود عنده أساسا فلا داعي للبحث عنه.
وفي الدرس ما قبل الأخير في سورة الروم نجد ربنا سبحانه يبين لنا بان الايمان هو البصيرة ، فالكافر كالأعمى والأصم ، بينما المؤمن هو البصير والسميع لا تحجبه حجب الهوى ، ولا المسبقات الفكرية والعقد النفسية ، انه ينظر نظرة مجردة عفوية ، انه لا يلبس نظارة ملونة ، سواء كانت هذه النظارة افكارا جاهلية ، أو نظرات سلبية وقاتمة عن الحياة كنظرات الذي يعيش الحزن والهم والكآبة ، أو نظرات مغرقة في الغرور والتمني والتبرير.
فالمؤمن عادة ما يكون متفاعلا في الحياة ، إذ انه يرى الحياة كلها بصورتها الطبيعية ، فهو يشكر الله على النعم ، ويصبر في حال البلاء على النقم ، فكلما راى شيئا في الحياة شكر الله وحمده. لماذا؟
__________________
(١) بحار الأنوار / ج (٣) / ص (١٣٦).