«وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ»
ففي الآخرة تنزل بهم نتيجة الاستهزاء ، وتحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم ، وقد قال البعض أنّ كلمة «حاقَ» مشتقّة من مادة الحق ، ويكون معناها آنئذ أنّ ذلك الذي سخروا منه ـ زعما بأنّ باستطاعتهم التهرّب منه ـ قد نزل بهم ، وأصبح حقّا واقعا لا مناص من الاعتراف به.
[٣٤] (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا)
لقد تغافلوا عن الآخرة ونعيمها حتى كأنّهم نسوها ، وهناك يغفل عنهم حتى لكأنّهم منسيّون ، فلا يقدّر لهم خير ، ولا يدفع عنهم ضرّ ، جزاء وفاقا لتناسيهم الحق ، وإمعانا في إذلالهم عقابا على استكبارهم.
وبالطبع لا يعنى نسيان الله جهله بهم ، كما لا يدل نسيانهم جهلهم بالآخرة ، قد ذكر في الرواية أنّه جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وقال : لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم ، فقال له علي ـ عليه السّلام ـ : وما هو؟ قال : قوله : «نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ» وقوله : «فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا» وقوله : «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» ... إلخ.
قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فأمّا قوله تعالى : «نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ» يعني إنّما نسوا الله في دار الدنيا ، لم يعملوا بطاعته ، فنسيهم في الآخرة ، أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئا ، فصاروا منسيّين من الخير ، وكذلك تفسير قوله عزّ وجلّ : «فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا» يعني بالنسيان أنّه لم يثبهم كما يثيب أولياءه ، الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين ، حين آمنوا به وبرسوله ، وخافوه بالغيب.