[٢٧] لا تزال على الطبيعة من حولنا آثار تنطق بسنن الله في التاريخ ، فهذه القرى من حولنا قد أهلكت بفعل ضلالتهم عن الحق. ولكن هل أهلكوا فجأة ومن دون نذر؟ كلّا ..
وكانت قريش تمرّ على قرى مدين وثمود عند رحلتهم صيفا نحو الشمال ، وعلى قرى الأحقاف عند رحلتهم شتاء نحو الجنوب ، وجاء القرآن يبصّرهم بعبر تلك القرى الخاوية على عروشها ، وتلك الآبار المعطّلة ، وآثار القصور المشيدة.
وهكذا يستنطق كتاب الله حوادث التاريخ وآثار الغابرين ، ويجعلها تحكي للإنسانية عبر أسلافهم لعلّهم يسعدون بتجاربهم.
( لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى)
وفي أيّ بلد كنت طف على القرى الغابرة من حولك. قف على أطلالها ، واستنطق آثار الأوّلين ، وسائلهم : لماذا أهلكوا ، فاستوعب عبر حياتهم قبل أن تكون عبرة لمن يعقل من بعدك ، ذلك أنّ البلاد جميعا لا تخلو من آثار الغابرين الذين كتبوا عليها دروسا لم يتعلّموها من أحد ، ولو تعلّموا بعضها إذا ما أهلكوا.
(وَصَرَّفْنَا الْآياتِ)
لنا كما لأولئك الغابرين ، فلم تدمّر حياتهم بلا سابق إنذار ، وكانت النذر تترى عليهم بهدف صرف العذاب عنهم إذا اتبعوا النذر وعادوا إلى الرشد.
(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
ونستوحي من كلمة «يَرْجِعُونَ» أنّهم كانوا مستبصرين في أوّل حياتهم ، ماضين على الفطرة الأولى ، فلمّا انحرفوا أنذروا بالعذاب لعلّهم يرجعون إلى فطرتهم