وقد كان خيرا لهم لو أنّهم صدقوا الله في ساعة الجد ، وإذا ملكوا السلطة ـ وهي مختبر آخر بعد الجهاد لحقيقة أنفسهم ـ تراهم يفسدون في الأرض ، بمنع أعمارها ، ونشر الرذيلة ، والفسق ، والظلم بين أرجائها ، ويقطعون أرحامهم ، كما فعلت بنو أمية وبنو العباس بآل الرسول (صلى الله عليه وآله).
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ) (عن سماع الحق) وأعمى أبصارهم (عن رؤية شواهده).
(والقرآن ميزان لمعرفة حقائق الناس ولكن لمن تدبر فيه) «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها» (فلا تنفذ بصائر القرآن إلى أفئدتهم).
ويهدينا السياق إلى سبب الضلالة بعد الهدى عند هذا الفريق من مرضى القلوب ، الذين سقطوا في وهدة النفاق ويقول : ان هؤلاء الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد أن عرفوا السبيل فانما الشيطان سوّل لهم (بأن زين لهم الضلال) وأملى لهم.
وإن من مثالب المنافقين ومؤامراتهم القذرة انك تراهم يقولون للذين كرهوا ما نزّل الله من الهدى نحن معكم ، وسوف نطيعكم في بعض الأمر ، ونتعاون على ضرب الإسلام (والله يعلم اسرارهم ـ كما يعلم اعلانهم).
وانهم يزعمون ان اتصالهم بالعدو يوفر لهم الحماية ، ولكنهم ماذا يصنعون غدا حين تضرب ملائكة الموت وجوههم وادبارهم (ولا ينفعهم يومئذ أعوانهم من المشركين بل لا ينتفعون حتى من أعمالهم الصالحة) ذلك لأنهم اتبعوا ما أسخط الله ، وكرهوا رضوانه (المتمثل في طاعة الرسول ، والنصح للقيادة الشرعية ، والتسليم لأوامر القتال الصادرة منها) فأحبط الله أعمالهم.