ساحات القتال تشهد الأسلحة والأدوات والأجهزة القتالية وإذا توقف القتال أعيدت كلّيّا إلى المخازن ، وهذه كناية عن توقّف الحرب ، ولكن متى تتوقف حرب المسلمين مع أعدائهم بصورة كلّيّة؟
إنّ من السذاجة الركون إلى السلم في عالم تحكمه شريعة الغاب ، يأكل القوي الضعيف ، وينفق الأعداء قسما كبيرا من مواردهم في الاستعداد للحرب ، بالرغم من أنّ النفوس تكره الحرب بطبعها ، وتميل إلى الخفض والدّعة ، وقد ينخدع الإنسان بمظاهر الودّ والموادعة الحاكمة على الأجواء ، فلا يعدّ نفسه للقتال ، فيؤخذ على غرّة.
لذلك أمرنا القرآن بالاستعداد أبدا للدفاع عن أنفسنا وعن الرسالة التي نحملها إلى الإنسانية المعذّبة ، فقال : «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ». فما دام المسلمون يرفضون التخلّي عن قيمهم واستقلالهم وحقوقهم فلا بد أن يستعدوا للدفاع المقدّس ، وقد يكون الاستعداد التام للدفاع أفضل وسيلة لتجنّب ويلات الحرب ، لأنّه يردع الأشرار من الاعتداء.
لذلك جاء في الحديث المأثور عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «والجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدّجّال». (١)
(ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)
فالله سبحانه الذي دمّر عادا الأولى بالريح الصرصر ، وأهلك ثمود فما أبقى ، ولم يذر أحدا من القرى المؤتفكة من قوم لوط ، أو ليس بقادر على أن يبعث على كلّ طاغية ومستكبر صاعقة من السماء فيهلكهم؟ بلى. وقد يفعل بهم عند ما يبلغون
__________________
(١) مجمع البيان / ج (٦) ـ ص (٩٨).