آجالهم ، لأنّه ينصر دينه بما يشاء ، كيف يشاء.
بيد أنّ حكمة الحرب التي يخوضها المسلمون تتلخّص في إظهار خبايا المسلمين ، وإبلاء سرائرهم.
أوّلا : بفصل الصادقين منهم عن الكاذبين.
ثانيا : بتطهير قلوب الصادقين منهم من شوائب النفاق والمصلحيّة.
وقد قال ربّنا سبحانه (وهو يبيّن الهدف الأوّل) : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» (١) ، وقال تعالى (وهو يشير إلى الهدف الآخر) : «وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ». (٢)
وإذا كانت الحرب بوتقة تطهّر المجتمع الإسلامي من العناصر الضعيفة والمنافقة ، كما تطهّر قلب كلّ من يخوضها من أدرانه ، فإنّ علينا أن نتخذ منها مدرسة للبطولة والإيثار ، لا ننشد منها فخرا ولا نصرا ، وإنّما نسعى لتزكية أنفسنا فيها ، وتربيتها على الشجاعة والفداء ، ونتبع في ذلك الإمام علي (عليه السلام) حيث يقول : «والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها» (٣) ، ويقول وهو يوصي نجله محمّد بن الحنفية حين يدفع به في أتون المعركة : «تزول الجبال ولا تزل عضّ على ناجذك. أعر الله جمجمتك. تد في الأرض قدمك. إرم ببصرك أقصى القوم ، وغضّ بصرك ، واعلم أنّ النصر من عند الله سبحانه» (٤).
__________________
(١) آل عمران / (١٤٢).
(٢) آل عمران / (١٤١).
(٣) نهج البلاغة / كتاب (٤٥).
(٤) المصدر / ص (٥٥).