قالوا : القفل من القفيل الذي هو ما يبس من الشجر ، فكان القلب يعشو فلا يستقبل نور القرآن ويكون كالشجرة اليابسة التي لا تستفيد من الماء والأشعة. وقال البعض : إنه من القفول بمعنى الرجوع ، فكان القلب المنصوب عليه القفل لا ينفذ فيه الهوى ، بل يرجع عنه كما يرجع من واجه بابا مقفلا .. ويبدو إن أقفال القلب هي الأهواء المطاعة ، والرذائل الراسخة فيها ، وما يسبب قسوتها أو الختم عليها. ومن أراد فهم القرآن زكى نفسه ، وطهرها من الشكوك والريب وحب الشهوات ومن الكبر والحقد والحسد والجبن وما أشبه ، فآنئذ ينساب نور الهدى فيه بلا حجب ولا موانع.
جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق عليه السّلام : إن لك قلبا ومسامع وإن الله إذا أراد أن يهدي عبدا فتح مسامع قلبه ، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه ، فلا يصلح أبدا وهو قول الله عزّ وجلّ «أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها». (١)
[٢٥] ولأن هذه الفئة تركت أمراضها القلبية تتراكم ، فقضت على بقايا نور الايمان في أنفسهم ، كانت عاقبة أمرهم الردة عن القيادة الشرعية ، وبالتالي عن الدين.
وكثير أولئك الذين ارتدوا عن الدين بسبب بعض هذه الأمراض ، ونحن نشير الى بعضهم لنعتبر بهم. فأولهم قابيل الذي طوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ، وكان مرضه الحسد إذ تقبل قربان أخيه ولم يتقبل منه ، وكذلك كان مرض عابد بني إسرائيل المعروف ب (بلعم باعورا) الذي بلغ درجة عالية من الأيمان والتقوى حتى استحق أن يعطى الاسم الأعظم ، وكان يدعو به فيستجيب الله له ، ولكنه حين اختار الله موسى عليه السّلام مال الى فرعون وارتضى لنفسه أن
__________________
(١) نور الثقلين / ج (٥) ـ ص (٤١).