إن هذا الظن هو الذي غرّهم بربهم وجعلهم يزعمون قدرتهم على الاختباء وراء مظهر النفاق الى الأبد ، ولكن الله أخرج ما ستروه من أحقاد وحسد وبغضاء. قالوا الاضغان : ما يضمر من المكروه.
[٣٠] وكما الله قادر على أن يظهر حقيقتهم بامتحانهم في القتال ، فهو قادر على أن يعرف رسوله واقعهم بطريق أخرى كأن يجعل على سيماهم وملامحهم علامات النفاق.
(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ)
وفعلا هناك على مظهر كل واحد منهم علامات النفاق ، ولكن لا تظهر إلا لأهل الخبرة والمؤمنين المتوسمين الذين ينظرون بنور الله. فمثلا : باستطاعتك أن تعرف المنافق بالنظر الى قسمات وجهه ، حينما ينادي المنادي بالصلاة أو بالزكاة أو بالجهاد أو بطاعة ولي الأمر ، فان قسماته تنكمش كالشن البالي ، بينما تنبسط قسمات وجه المؤمنين كما البدر.
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)
بلى. في تضاعيف الكلام تظهر حقيقة المتحدثين ، أو ليس المرء مخبوء تحت لسانه حتى أن التحليل الحديث لعلم النفس يستفيد من أغلاط المتحدث لمعرفة خلفياته النفسية ، وحتى أعظم رجال السياسة وأشدهم مكرا لا يمكنه أن يخفى مواقفه الحقيقية عند الحديث عن شيء ، لأن الكلمة التي يتلفظ بها إذا كانت صادقة تخرج بعفوية ويسر ، بينما إذا كانت كاذبة لا تخرج إلا بصعوبة وبتكلف. ومن هنا يقول الامام أمير المؤمنين عليه السّلام : «ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه». (١)
__________________
(١) نهج البلاغة / الحكمة رقم (٢٦).