عنها بتخلفهم ، ولكن الله يفضح مكرهم وأنهم كانوا يرجون ألّا يعود الرسول إليهم ، وظنوا ظن السوء فكانوا قوما بورا ـ هالكين ـ.
والآن حيث صعد نجم المسلمين وطوّعوا أكبر قوة في الجزيرة ـ قريش ـ حتى اعترفت بهم كقوة سياسية مناوئة ، يريد الانتهازيون الالتحاق بركب الرسالة طمعا في المغانم ، وهذه من مشاكل الصلح دائما. ورفض الإسلام عودتهم إلّا إذا استعدوا للجهاد إذا دعوا اليه مرة أخرى ، فيومئذ إن أطاعوا يؤتيهم الله أجرا حسنا ، وإن تولوا ـ كما في السابق ـ يعذبهم الله عذابا أليما.
وبعد أن استثنى السياق من هذا الحكم المرضى والمعوقين عاد وأثنى على المؤمنين الذين بجهودهم حصل المسلمون على هذا الصلح حيث أنهم بايعوا الرسول على القتال تحت شجرة كانت هنالك فرضي الله عنهم ، وأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم ـ في الدنيا ـ فتحا قريبا متمثلا في مكاسب صلح الحديبية ، ثم فتح مكة. ويعدد الله مكاسب المؤمنين بما يلي : صلح الحديبية كما أنه صدّ أذى الناس عنهم ، وجعل ذلك آية ، وعبرة تاريخية يستفيد منها المؤمنون.
وكان نصر المؤمنين على اقتدار ، وليس عن ضعف أو ذل ومهانة ، فلو قاتلهم الذين كفروا عند مداخل الحرم المكي لولّوا الأدبار وهذه سنة الله التي لا تتبدل ، ولو أن الله أراد لشب القتال وانهزم الكفار ، ولكن لحكمة كف الأيدي عن الحرب ببطن مكة. وكانت قريش تستحق القتال ، فقد صدوهم عن المسجد الحرام ، أما حكمة كف الأيدي فلأنه كانت طوائف من المؤمنين متداخلين مع قريش يعملون بالتقاة.
قتال المؤمنين لا ينبعث من العصبية بل من مصلحة الرسالة لذلك فهو يدور على محور المصلحة الايمانية ، بينما قتال الكفار ينطلق من منطلق العصبيات الجاهلية ،