صلح الحديبية الذي كان تمهيدا لفتح مكّة المكرمة ، ولو أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام في ذلك العام فلربما فاتهم فتحها ، وبالتالي فتح الجزيرة العربية ، وانتشار الإسلام في الأرض.
إنّ الهدف القريب الذي توخّاه المسلمون بعد إخبار الرسول لهم برؤياه هو دخول مكة ، ولم يشأ الله أن يتحقّق ذلك تمهيدا لتحقيق الهدف الأكبر وهو فتح مكة ، والعبرة من ذلك أن لا يستعجل المسلمون للنتائج ، وإنّما ينبغي الانتظار ريثما تنضج الظروف.
بينات من الآيات :
[١] (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)
ماذا تعني كلمة الفتح في هذه الآية؟
قال بعض المفسرين : إنّ الآية وإن كانت نزلت قبل فتح مكة إلّا أنّها تعنيه وتؤكّده وتبشّر المؤمنين به ، وقال آخرون : إنّها تنصرف الى فتح خيبر ، ولكنّ الآية تدلّ كما يبدو على الفتح السياسي والثقافي لمكة والذي سبق فتحها العسكري ، وقد تجسّد ذلك في صلح الحديبية الذي مهّد لفتحها عسكريّا ، ومنه انطلق انتصار الإسلام وانتشاره في الجزيرة العربية ، ذلك لأنّ أيّ حركة ناشئة ـ وبالذات تلك التي تعاكس أفكار المجتمع وعاداته ـ تسعى نحو اكتساب الاعتراف من المجتمع المحيط حتى تتحرك بحرية في التوسعة والانطلاق ، وحركة الإسلام ـ فيما يتعلّق بالجانب الظاهري منها وليس الغيبي ـ كانت في البدء حركة ناشزة عند المشركين حيث كان المجتمع الجاهلي يعتبرون المسلمين صابئة لأنّهم في نظرهم متمرّدون على العادات والتقاليد ، فحركتهم إذن حركة خارجة عن الشرعية.