خلقه قرابة حتى يفعل ذلك؟ أو لم يقل في شأن رسوله (ص) : «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» (١) .. بلى. هناك بعض الفرق الصوفية هي التي تعتقد بأنّ الإنسان يصل الى مستوى من العبودية والوعي بحيث ترفع عنه المسؤولية ، حتى قال قائل منهم لأتباعه : أنتم تجب عليكم الصلاة ، أمّا أنا فقد وصلت الى مقام فوق الصلاة!
إنّ الإسلام لا يرى نهاية للمسؤولية إلّا باليقين (الموت) ، وهذا هو القرآن يخاطب الرسول (ص) ـ مع أنّه انتهى الى غاية الكمال البشري ـ بأنّه يحتاج الى المزيد من الصلاة والتقرّب الى الله عزّ وجل : «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً* وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً» (٢).
ويقول القرآن في هذه السورة :
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)
والغفران هنا من باب الوعد وليس الحتم والإلزام ، ولو كان كذلك لاقتضى الأمر تغيير الآية الكريمة : «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» (٣) ، والحال أنّه تعالى يأمر رسوله بالاستغفار لنفسه وللمؤمنين من حوله ، وتناسب اللام هنا في هذه السورة والاستغفار لا مع الفتح ، لأنّ الفتح قضية سياسية فلا بد أن يكون الذنب هو الآخر ذنبا سياسيّا ، بينما لو اعتبرنا الذنب هنا شخصيّا بين العبد وربّه لظهرت اللام مبهمة.
__________________
(١) الحاقة / ٤٤ ـ ٤٧
(٢) الإسراء / ٧٨ ـ ٧٩
(٣) محمّد / ١٩