وفي رواية أخرى قال ابن عبّاس : إنّ رسول الله (ص) خرج يريد مكّة ، فلمّا بلغ الحديبية وقفت ناقته ، وزجرها فلم تنزجز ، وبركت الناقة ، فقال أصحابه : خلأت الناقة ، فقال (ص) : ما هذا لها عادة ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ودعا عمر بن الخطاب ليرسله الى أهل مكة ليأذنوا له بأن يدخل مكة ، ويحلّ من عمرته ، وينحر هدية ، فقال : يا رسول الله مالي بها حميم ، وإنّي أخاف قريشا لشدّة عداوتي إيّاها ، ولكن أدلّك على رجل هو أعز بها منّي : عثمان بن عفّان ، فقال : صدقت ، فدعا رسول الله (ص) عثمان فأرسله الى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب ، وإنّما جاء زائرا لهذا البيت ، معظّما لحرمته ، فاحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله (ص) والمسلمين أنّ عثمان قد قتل (١) ، فقال (ص) : «لا نبرح حتى نناجز القوم» فدعا الناس الى البيعة ، فقام رسول الله (ص) الى الشجرة فاستند إليها ، وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين ولا يفرّوا ، قال عبد الله بن مغفّل : كنت قائما على رأس رسول الله (ص) ذلك اليوم ، وبيدي غصن من السّمرة (شجرة شائكة تنبت في الأماكن الحارة) أذبّ عنه وهو يبايع الناس ، فلم يبايعهم على الموت ، وإنّما بايعهم على أن لا يفرّوا (٢) ، فبينما هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله (ص) من أهل تهامة ، فقال : إنّي تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت ، فقال رسول الله (ص) : «إنّا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم ، فإن شاؤوا ماددتهم مدّة ويخلوا بيني وبين الناس ، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإلّا فقد جموا ، وإن أبوا فوا الذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، أو لينفذنّ الله تعالى أمره» ، (وهذا من الحكمة السياسية ولا ريب أنّ
__________________
(١) وعادة ما تنشر الشائعات في مثل هذه الظروف والأحداث.
(٢) بح / ج ٢٠ ص ٣٢٩