وفي تفسير القمّي : وقال رسول الله (ص) لأصحابه (بعد كتابة الصلح): انحروا بدنكم ، واحلقوا رؤوسكم ، فامتنعوا وقالوا : كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ، ولم نسع بين الصفا والمروة؟ فاعتمّ لذلك رسول الله (ص) وشكا ذلك الى أمّ سلمة ، فقالت : يا رسول الله انحر أنت واحلق ، فنحر رسول الله (ص) فحلق ، فنحر القوم على حيث يقين وشك وارتياب (وهنا تتبيّن فكرة مهمّة وهي : إنّ القيادة حينما تقول وتعمل بما تقول يكون قرارها أمضى أثرا فيمن حولها).
وحيث رجع المسلمون الى المدينة قالوا : هذا ليس بفتح ، لأنّهم حسبوا الفتح هو النصر الذي يأتي بالقتال ، ويكون فيه الأسر وأخذ الغنائم ، ولم يكونوا يعرفون أبعاد الفتح الحقيقية ، أمّا الرسول (ص) فهو يعرف كلّ ذلك ، وبمجرّد أن سمع هذا الكلام جمع أصحابه وأكّد لهم بأنّ ما حدث هو أعظم الفتح ، فقال : «لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم» وهذه مرحلة من مراحل الفتح ، أنّ العدو يعترف بالمسلمين ، «ويسألوكم القضية ، ويرغبون إليكم في الإياب» أي أنّهم اعترفوا بكم كندّ لهم «وقد كرهوا منكم ما كرهوا ، وقد أظفركم الله عليهم ، فردّكم سالمين غانمين مأجورين ، فهذا أعظم الفتح» ثم ذكّرهم بالماضي وقال : «أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟! أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، وتظنّون بالله الظنونا؟! قالوا : صدق الله ورسوله ، وهو أعظم الفتوح ، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منّا ، فأنزل الله سورة الفتح» (١)
وجاء في عيون الأخبار بإسناده الى عليّ بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الامام الرضا ، فقال المأمون : يا ابن رسول الله! أليس من قولك
__________________
(١) تفسير القمي عند الاية (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)