تغيير هذه السنة ، فكيف بهم؟ وهب أنّهم أقوى من الغابرين ، أو جاء في التاريخ من هو أقوى من أولئك ، فهل يغلب الله على أمره؟
(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)
أو لم ينتصر نوح على كلّ الكافرين في الأرض؟
أو لم ينتصر طالوت بفئته القليلة من المؤمنين على الكافرين في عصره؟
أو لم يقل الله : «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» (١)؟
[٢٤] إنّ الانتصار القياسي الذي بلغه المسلمون في صلح الحديبية لم يكن بدهاء منهم ، أو بأنّ قريشا رحمتهم فكفّت أذاها عنهم ، وإنما الله هو الذي صيّر الأمور إلى هذه النتيجة ، «وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ» (٢) ، بلى. لقد بلغ المسلمون هذه المكاسب السياسية والمعنوية من دون أدنى خسارة عسكرية ، والحال أنّ الوصول إلى ذلك محال بالطرق الطبيعيّة ، ولو تحقّق لاقتضى الأمر تضحيات عظيمة.
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ)
فمن ناحية منّ الله على المؤمنين بالخلاص من أيدي المشركين قبل صلح الحديبية ، ومن ناحية أخرى منّ على المشركين حين عفى عنهم الرسول (ص) بعد الفتح.
(بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)
__________________
(١) البقرة / (٢٤٩).
(٢) الفتح / (٢٠).