(وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
يعني لو كنتم تقاتلون الكفار ـ دون أن يكفّ الله أيديكم عنهم ـ لكنتم تقتلون فيمن تقتلون المسلمين من دون علم ، لأنّهم كانوا يكتمون إيمانهم على خوف من قريش ، ولأنّ شروط الصلح كانت لا تسمح لهم باللجوء إليكم ، ولو فعل المؤمنون ذلك لربما أضرّهم ، ولكنّ الله لم يأمرهم بالقتال.
ونعرف من هذه الآية أوّلا : أنّ المؤمنين استفادوا من فترة السلام التي وفّرها الصلح في تقوية أنفسهم وبناء حركتهم وتوسيعها ، إلى الحدّ الذي اخترقوا فيه كيان قريش نفسها ، وحيث سارت جيوش الإسلام لفتح مكّة كانت قريش منخورة الكيان من الداخل ، وكان الجند ـ وربما كثير من الزعماء الذين ينتظر منهم محاربة أتباع الرسالة ـ ينتظرون الفرصة المناسبة للتلاحم مع صفّ المؤمنين ضدّ أعدائهم ، وهذا بالفعل ما تؤكّده سورة النصر : «وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً» ، وربما لذلك أيضا لم تجد قريش نفسها قادرة على اتخاذ قرار المواجهة العسكرية ضد الجيوش القادمة من المدينة بقيادة الرسول الأعظم (ص) ، الأمر الذي جعل المسلمين يدخلون مكة فاتحين دون تضحيات.
وثانيا : انّ المؤمنين كانوا يجهلون هذه المكاسب العظيمة للصلح ، وذلك هو الذي جعل بعضهم يعترض على الرسول ، وربما طفق يشك في قيادته ، فهم لم يكونوا يعلمون بالجبهة الايمانية الموجودة في صفوف أهل مكّة ، وقول بعضهم وقد حمل الراية (اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبى الحرمة) دليل واضح على هذه الحقيقة.
ومن هذا المنطلق يجب أن نستفيد درسا في علاقتنا بالقيادة الرسالية ، وهو أنّ جهلنا بخلفيات قراراتها لا يعني أنّها خاطئة ، ويجب أن لا يدفعنا ذلك إلى التشكيك