فيها ، فليس بالضرورة أن يتضح لنا كلّ شيء ، لأنّ كثيرا من الأمور يكشف عنها المستقبل ، ورؤيتها تحتاج إلى بصيرة ثابتة ومعلومات متكاملة ، ممّا لا تتوافر إلّا عند القيادة الشرعية الرشيدة.
(لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ)
أي في الايمان ، وهل خلق الله الناس إلّا ليرحمهم؟ «إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ» (١) ، ولو أنّ المؤمنين قاتلوا المشركين يومذاك لقتلوا الكثير ممّن دخلوا الدّين فيما بعد ، ومنعوا عنهم رحمات الله وبركاته ، وهكذا ينبغي أن تكون استراتيجية الدولة الاسلامية قائمة على أساس اجتذاب الناس الى الدّين ، ولو بتقديم بعض التنازلات ، وليس تحطيم الخصم وقهر إرادته ، ولو سبّب ذلك إثارة البغضاء في أنفسهم ممّا يشكّل حاجزا نفسيّا يمنعهم مستقبلا من الدخول في الدّين.
بلى. لو امتاز الفريقان لعذّب الله المشركين والكافرين بسيوف عباده المؤمنين.
(لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)
وفي الروايات المأثورة : إنّ الله ليدفع البلاء عن القرية بالمؤمن ، وجاء في الحديث القدسي : «لولا شيوح ركّع ، وشباب خشّع ، وصبيان رضّع ، وبهائم رتّع ، لصببت عليكم العذاب صبّا» (٢).
[٢٦] ولكن لماذا ينذر الله الذين كفروا بالعذاب في الآية السابقة؟ هل لأنّهم من قريش أم لقيمة مادية أخرى؟ كلّا .. إنّما للحميّة المرتكزة في قلوبهم.
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ)
__________________
(١) هود / (١١٩).
(٢) كلمة الله / للشهيد الشيرازي ص (٧٦).