فالحق ظاهر وبيّن لهم ، ويعلمون أنّهم على الباطل ، ولكن العزّة بالإثم (القيم الجاهلية التي درجوا عليها) لا تدعهم يقبلون الحق ، ويسلّمون لقيادة الرسول ، فالقائد في نظرهم يجب أن يكون أكبر القوم سنّا ، وأكثرهم مالا ونفرا ، فكيف يقودهم رجل يتيم لا مال له؟
لهذا فإنّهم وهم يحاربون أتباع الرسالة لم يكونوا يدافعون عن حقّ يؤمنون به ، وإنّما يحمون أنفسهم ويدافعون عن قيمهم الجاهلية ، بينما المؤمنون يقاتلون من أجل الله ، ويدافعون عن القيم والقائد الحق.
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
بينما خذل من جهة أخرى فلول الكفّار ، لأنّ هؤلاء ينصرونه فهم أولى بنصره ، بينما ينصر أولئك أصنامهم وشهواتهم. ولعلّ هذه السكينة كانت أعظم وسيلة لنصرهم ، فمن اطمأنّ إلى سلامة خطّه حارب دونه بشجاعة فائقة ، بينما الذي يحارب للعصبيّات الزائفة ينهزم نفسيّا قبل أن ينهزم عسكريّا ، وقد قيل : الحرب صراع إرادات ، ولا ريب أنّ إرادة صاحب السكينة أمضى.
(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها)
وكانت كلمة التقوى مقابل الحميّة التي تعشعش في قلوب الكافرين ، ومن شواهد التزام المؤمنين بها في سلوكيّاتهم موقف رسول الله (ص) حينما أراد التوقيع على الصلح ، فأنكروا عليه كلمة (الرّحمن الرّحيم) ، وأن يسمّى رسول الله ، فقد تنازل عن ذلك لمصلحة الرسالة مع أنّ الموقف كان محرجا ولكنه (ص) لم تأخذه الحميّة ، ولم يسمح للعواطف المستثارة أن تؤثّر في خططه الرشيدة.
إنّ التقوى ليست مجرّد كلمة يقولها الإنسان ، بل هي برنامج متكامل والتزامات